الثلاثة أيضاً إلى نفس ما كان النظر إليه
في تلك الآيات، أعني كبرى الحكم و التشريع الذي يريد الحاكم تطبيقه على موضوعه بعد
الفراغ عن ثبوته قضائياً، فلا بدّ و أن يكون ذلك الحكم عدلًا و حقّاً، لا من
الأحكام الباطلة و الظالمة التي وضعها الطواغيت و الحكّام الجائرون بأهوائهم
الفاسدة، و أمّا كيف يثبت موضوع الحكم العادل و الحقّ فهو أجنبي عن منظور الآيات.
و الحاصل: فرق بين أن يقال: «احكم
بالواقع» و أن يقال: «احكم بالعدل و القسط و الحقّ» فإنّ هذه العناوين من أوصاف
نوع الحكم و التشريع الذي يحكم به القاضي، و ليس النظر فيه إلى الظلم من ناحية
إنكاره للموضوع مع علمه به.
و ممّا يشهد على هذا الاستظهار أنّ سياق الآية الثالثة نفس سياق
الآيات المتقدّمة بل هي منها. و الآية الاولى حيث فرّع فيها الحكم بالحقّ على جعل
داود خليفة في الأرض من قِبل اللَّه سبحانه، فيناسب أن يكون المراد بالحكم بين
الناس بالحقّ فيها مطلق إقامة الحقّ و الشريعة الإلهيّة العادلة على الناس. و أمّا
الآية الثانية فقد ورد فيها الحكم بالعدل عقيب الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها حيث
قال تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى
أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً» ([1]) و هذا التعقيب يدلّ على أنّ
المقصود بالأمانة التي أمر اللَّه بأدائها سنخ أمانة خاصّة عظيمة لها ارتباط
بالحكم بالعدل و إقامته بين الناس، فيناسب أن يكون المراد بها الإمامة و الحكومة،
و يراد بالحكم بالعدل إقامة الشريعة العادلة و إقامة حكم أهل البيت عليهم السلام،
كما دلّت على ذلك روايات صحيحة مستفيضة أكّدت على أنّ هذه الآية المباركة فينا
نزلت، و إيّانا تعني، و أنّ الحكم بالعدل هو الحكم بما في أيدينا ([2]).