و امتياز هذه الآيات على سابقتها أنّ
الوارد في موضوعها هو الحكم بالحقّ و العدل، فيقال: إنّ ظاهرها إرادة الحكم بالحقّ
و الواقع المترافع فيه، فيكون دليلًا على أنّ موضوع جواز القضاء و الحكم هو
الواقع، و يكون علم القاضي طريقاً محضاً إليه.
و قد ناقش في هذا الاستدلال المحقّق العراقي قدس سره بأنّه قد يكون
المراد بمثل الحقّ و العدل هو الحقّ و العدل وفق مقاييس القضاء لا الحقّ و العدل
وفق الواقع، و كون علم القاضي من مقاييس القضاء أوّل الكلام ([1]).
و هذا الإشكال قابل للدفع بأنّ حمل الحقّ و العدل- و خصوصاً الحقّ-
على الحقّ و العدل بلحاظ مقاييس القضاء خلاف الظاهر جدّاً؛ فإنّ العدل يقابله
الظلم، و الحقّ يقابله سلب الحقّ، و من لم يحكم بمقاييس القضاء- كما إذا فرض أنّه
أخذ باليمين في غير مورده أو اكتفى بشاهد واحد- لا يصدق عليه أنّه حكم بالظلم و
بغير حقّ، و إنّما خالف شرع القضاء و كيفيّته، و من هنا قلنا بالفرق بين عنوان الحكم
بما أنزل اللَّه و شرعه و بين عنوان الحكم بالحقّ و العدل، فإنّ الأخير ظاهر في
كون ما يقضي به حقّاً و عدلًا، لا أنّ كيفيّة قضائه لا بدّ أن يكون مطابقاً لحكم
اللَّه و شرعه في كيفيّة القضاء و مقاييسه.
و إن شئت قلت: إنّ هذا المعنى أعني العدل
و الحقّ بمقاييس القضاء حق و عدل نسبيّان إضافيّان، لا بدّ من إضافتهما إلى ما هو
المشروع و المجعول في كيفيّة القضاء، و هذه عناية زائدة بحاجة إلى قرينة، و إلّا
فظاهر اللفظ إرادة الحقّ و العدل المطلقين، و هو الحقّ و العدل بحسب الواقع
المترافع فيه.
نعم، يبقى هنا إشكالان
آخران:
أحدهما: ما تقدّم في الإشكال على الوجه السابق،
من أنّ النظر في هذه الآيات