و يرى وجوب إجرائها عليه و استحقاقه ذلك
واقعاً، فكيف لا يجوز له الحكم بذلك و إسناد الجرم إليه على حدّ إسناد كلّ حكم
واقعي حينما يحصل لديه القطع بتحقق موضوعه؟! و لا يراد بالحكم إلّا ذلك.
إلّا أنّ هذا البيان غير تام؛ لأنّ جواز حكم القاضي بعلمه ينحلّ بحسب
الدقّة إلى حكمين:
1- الحكم التكليفي بجواز إسناد الجرم إلى المتّهم في نفسه، نظير
شهادة البيّنة و إسنادها للجرم إلى المتّهم.
2- حجية هذا الحكم في المحكمة و نفوذه، بمعنى إمكان حسم النزاع و
إنهائه على أساس منه، نظير حجّية البيّنة أو اليمين في المحكمة و حسم النزاع بهما.
و الحكم الأوّل قد يكون صدور الجرم واقعاً تمام الموضوع فيه و القطع
طريق محض إليه- و إن كان هذا أيضاً خلاف التحقيق؛ فإنّ العلم موضوع لجواز الإسناد
و القضاء، و من هنا لو قضى بالواقع مع الجهل يكون عاصياً لا متجرّياً- إلّا أنّه
حكم يخص القاضي نفسه، بينما الحكم الثاني هو المهم و المنظور إليه في هذا البحث؛
لأنّ المقصود من جواز حكم القاضي بعلمه نفوذه على المدّعي و المدّعى عليه في مقام
حسم النزاع، و من الواضح أنّ هذا الأثر- و هو حسم النزاع و النفوذ على الآخرين-
يكون علم القاضي و مستنده موضوعاً له، لا طريقاً.
و إن شئت قلت: إنّ هناك حجّيتين متصورتين
لعلم القاضي:-
إحداهما: حجّيته بالنسبة لنفسه من حيث ترتيب
الآثار المتعلّقة و المترتّبة على الواقع لديه و في حقّ شخصه فيكون العلم طريقاً
إليها، و قد يجعل جواز الإسناد تكليفاً منها، و إن كان التحقيق خلافه على ما
سيأتي.
و الثانية: حجّيته القضائية، بمعنى
نفوذه على المدّعي و المدّعى عليه و لزوم التزامهما به، و انتهاء الخصومة و سقوط
حق الدعوى بذلك. و هذا الأثر يكون علم القاضي موضوعاً فيه؛ لأنّ الأثر المترتّب و
المنظور إليه متعلّق بغير من له العلم،