فيكون موضوعاً له لا محالة. و من هنا
تكون سعته و ضيقه بيد المشرّع، فله أن يجعل مطلق علم القاضي موضوعاً للحجية القضائية،
و له أن يقيّده بخصوص ما يحصل له من منشأ معيّن أو بخصوص ما إذا كان المستند
البيّنة و اليمين لا غير، و لا يلزم من ذلك الردع عن حجية القطع الطريقي أصلًا. و
لهذا لم يستشكلوا في عدم نفوذ حكم القاضي المستند إلى العلوم الغريبة غير
المتعارفة.
لا يقال: إنّ تجويز الحكم بما هو حقّ و عدل و
واقع المستفاد من بعض الآيات و الروايات يدلّ على جواز حكم القاضي بما يراه حقّاً
و واقعاً بلحاظ كلتا الحجّيتين، فيكون موضوع الحجية القضائية الواقع أيضاً.
فإنّه يقال: لو سلّم صحّة هذا
الاستدلال- و هذا ما سيأتي الحديث عنه- فهذا يعني استفادة التوسعة في موضوع
الحجّية القضائية من الأدلّة و أنّ علم القاضي بوقوع الجرم يكفي لنفوذ حكمه على
الغير. و هذا لا بحث فيه لو تمّ الدليل عليه، و لكنّه ليس معناه طريقيّة علم
القاضي للحجّية القضائية، بل معناه طريقيّته لجواز الحكم و الإسناد من قبل القاضي.
فهنا بحسب الحقيقة دليلان:
دليل يدلّ على جواز الحكم بالواقع و الحقّ، و هذا- لو تمّ- يقتضي أن
يكون جواز الحكم من آثار الواقع و مترتّباً عليه، فيكون علم القاضي طريقاً إليه. و
دليل آخر يدلّ على نفوذ كلّ ما جاز للقاضي إسناده و الحكم به على الآخرين في مقام
الترافع و حسم الخصومة، و هذا هو الحجّية القضائية، و يكون علم القاضي و حكمه
موضوعاً له لا محالة.
و إن شئت قلت: لو قام دليل على عدم جواز حكم القاضي على طبق علمه
الشخصي- أي من دون بيّنة و يمين- فهذا لا يكون مصادماً مع حكم العقل بالحجّية
الذاتية للعلم، بل يمكن أن يكون دليلًا على عدم حجّية علم القاضي في مقام القضاء و
النفوذ على الآخرين، فيقيّد إطلاق الدليل الثاني فقط و الذي جعل مطلق علم القاضي و
حكمه موضوعاً للحجّية و النفوذ على الآخرين، و هذا تصرّف في أثر