أن يعرض على الخصوم جميعاً لمناقشته، و
الدليل الذي لا يعرض على الخصوم لا يجوز الأخذ به.
و على هذا الأساس ذكروا: «و يترتّب على حق الخصوم في مناقشة الأدلّة
التي تقدّم في الدعوى أنّه لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه؛ ذلك أنّ علم القاضي هنا
يكون دليلًا في القضية، و لمّا كان للخصوم حق مناقشة هذا الدليل اقتضى الأمر أن
ينزّل القاضي منزلة الخصوم، فيكون خصماً و حكماً، و هذا لا يجوز» ([1]).
ثمّ إنّهم جعلوا طرق الإثبات ستة: 1- الكتابة. 2- الشهادة أو
البيّنة.
3- القرائن. 4- الإقرار. 5- اليمين. 6- المعاينة.
كما أنّهم جعلوا علم القاضي الذي لا يختص به بل يعتبر من العلوم
المعروفة بين الناس و لا يكون مقصوراً عليه- كالمعلومات التأريخية و العلمية
الثابتة- كذلك، فعلم القاضي الذي يحصل على أساس المعلومات الحاصلة في مجلس القضاء
حجّة، و لعلّه لاعتبارها من مصاديق القرائن الذي هو الطريق الثالث عندهم ([2]).
و نحن إنّما نقلنا هذه الكلمات لتشخيص موقفهم، لا الاستناد إلى
استدلالهم الذي لا ينسجم مع منهج فقهنا عموماً؛ لكونه استحسانات و استصلاحات
بشرية، و نحن أتباع ما تقتضيه الأدلّة الشرعية، على أنّ ما ذكر من احتمال الجور و
تحكّم القاضي في حكمه و اتّهامه لا يختص بفرض كون علمه الشخصي نافذاً و حجّة في
القضاء، بل يتأتى أيضاً في سائر الطرق التي لا شكّ في جواز الاستناد إليها و إن
كان بنسبة أقلّ، على أنّ الشارع قد اشترط عدالة القاضي بدرجة فائقة، و هي في
النظام الإسلامي تمنع عن وقوع مثل هذا الجور بدرجة كبيرة إذا فرض تطبيق الأنظمة
الإسلامية بتمامها و كمالها.