طريق الشهادة مثلًا. و إلى هذا الرأي ذهب
كثير من فقهاء الشريعة المتقدّمين.
و لكن لمّا خربت الذمم، و ضعف الوازع الديني، و فسد الضمير في كثير
من الناس، و طغى حبّ المادة على النفوس، و اشربت القلوب حبّ المال من أيّ طريق
جاء، أصبح علم القاضي الشخصي مكتنفاً بالظنون و الريب، حتى قال الفقيه الشافعي: لو
لا قضاة السوء لقلت إنّ للحاكم أن يحكم بعلمه. و لهذا قرّر المتأخّرون من الفقهاء
بالاجماع عدم جواز حكم الحاكم بعلمه» ([1]).
و نفس الموقف نجده عند الفقه الوضعي ببيان آخر، فقد جاء في الوسيط
للسنهوري:
«... أنّ الحقيقة القضائية قد تبتعد عن الحقيقة الواقعية، بل قد
تتعارض معها؛ لأنّها لا تثبت إلّا عن طريق قضائي رسمه القانون، و قد يكون القاضي
من أشدّ الموقنين بالحقيقة الواقعية و مخالفتها للحقيقة القضائية ...
و القانون في تمسّكه بالحقيقة القضائية دون الواقعية إنّما يوازن بين
اعتبارين:
اعتبار العدالة في ذاتها و يدفعه إلى تلمّس الحقيقة بكلّ السبل و من
جميع الوجوه حتى تتّفق معها الحقيقة القضائية، و اعتبار استقرار التعامل و يدفعه
إلى تقييد القاضي في الأدلّة التي يأخذ بها، فيحدّد له طرق الإثبات و قيمة كلّ
طريق منها حتى تأمن من جوره و يحدّ من تحكّمه. و لا يختلف القضاة في ما يقبلونه من
دليل و في تقدير قيم الأدلّة في الأقضية المتماثلة» ([2]).
و هذا يقتضي تقييداً في طرق الإثبات لدى القاضي، لا إلغاء علمه الشخصي مطلقاً.
إلّا أنّ هناك بياناً آخر لهم اصطلحوا عليه مبدأ حق الخصم في الإثبات
و مناقشة الأدلّة التي يقدّمها الطرف الآخر و نقضها، و لهذا فكلّ دليل يقدّم في
الدعوى يجب
[1] دليل القضاء الشرعي(
محمّد صادق بحر العلوم) 2: 34، 35، الفقرة رقم 7.