يلاحظ في بعض الدراسات الفقهيّة التي من أبرزها دراسات السيد الأستاذ
أنّها تشتمل على تنظيم و ترتيب منطقيّين للمباحث و الموضوعات، و هي خصلةٌ امتاز
بها بشكل رائع الشهيد محمد باقر الصدر.
إنّ ترتيب فقرات البحث، و تنظيم الوجوه و الأدلّة واحداً بعد الآخر،
و القيام باستعراض المناقشات الواردة على كلّ وجهٍ، بشكل منظّم و مرتّب، و ربط
الموضوعات ببعضها بما يجعل الصورة الإجماليّة أكثر وضوحاً و انتظاماً، بدل أن تمنى
بالتجزئة و التشطير ... ذلك كلّه يساعد الذهن على وعي الفكرة، كما يكشف أيضاً عن
مدى وعيها و فهمها من قبل المتكلّم بها.
إنّ مراجعة كتاب الخمس و كتاب الإجارة و كتاب قراءات فقهية معاصرة
للسيد الأستاذ يؤكّد هذا الأمر، فقد فصلت الأبحاث عن بعضها، و حدّدت المعالم لكلّ
محور، بما يصحّ أن يعبّر فيه عن كتاب الخمس مثلًا- على حدّ قول أحد الأخوة
العلماء- بأنّه لوحة فنية رائعة.
إن اضطراب الذهن في عملية متابعته للأفكار يكشف في بعض الأحيان عن
عدم تكوينه صورةً واضحةً و جليّةً عنها، أمّا عند ما يكون العرض منظّماً، يقع كلّ
شيء فيه في موقعه السليم، فإن وضوح الصورة يساعد- بلا شك- على وعي المفاهيم، و
يسمح للباحث بممارسة اجتهادٍ أنضج.
لعلّ بالإمكان القول بأنّ المنهجة و الترتيب في الكتب الثلاثة المشار
إليها، يقلّ وجوده في المصنفات الفقهيّة المعاصرة، و الفقه اليوم مطالب بتبنّي
منهج واضح و منظم و علمي أكثر في العرض و البيان، بدل التداخل و الاضطراب الذي قد
يصيب المدوّنات الفقهيّة بين الفينة و الأخرى.
إنّ اللغة المضطربة و افتقاد التنظيم و الترتيب و المنهجة، و تعقيد
النصوص الأصوليّة و الفقهيّة تعقيداً لفظيّاً و معنويّاً و .. أدّى إلى تغييب
الفقه الشيعي و أصوله عن الساحات الفكريّة و الثقافيّة المعاصرة، و هو ظُلمٌ اجترح
في حقّ هذا الفقه، و في حقّ تطويره و تنميته من جهة، و نشر و إثراء الساحة
الفكريّة بعطاءاته