على تخوم بلادهم، و هي ثُلَّة قليلة العدد، ضعيفة العُدَّة، ثمّ يسكتون و لا يحرّكون ساكنا، و كأنّ شيئاً لم يكن، مع قدرتهم على تجنيد عشره أضعاف ذلك العدوّ بأفضل عُدّةٍ و أو في عدد. بل تراه يتحايل عن ذلك العدوّ و يرسل له بالهدايا، و بالكلمات المعسولة، حتّى إنّه لَيَدّعي كاذباً الانقيادله، و القبول به، و التّبعيّة و الطّاعة لكلّ ما يأمر به و ينهى عنه.
و الّذي يبدولنا: هو أنّ سبب هذا الاستخذاء من هرقل، هو ما جرى في مؤته. فهي قد عرفت قيصر و من معه: أنّ الأمر في أيّة مواجهة مع هذا النّبيّ الكريم (ص) سيكون بالغ الخطورة، إن لم نقل: إنّهم كانوا على يقين من أنّه لن يأتي لهم بغير الخزي و العار، و الهزيمة النّكراء. إذ إنّ مئات الألوف الّتي جاء بها قيصر إلى حرب مؤته قد واجهت ثلاثة آلاف فقط من المسلمين، و كان من المتوقّع أن يسقط أكثر المسلمين صرعى في أوّل ساعة، بل في الدّقائق الأولى من المعركة، ولكن ما حصل كان نقيض ذلك، فإنّ الحرب طالت ربما لأيّامٍ و لم يسقط فيها من الشّهداء سوى عدد ضئيل جدّاً لا يتجاوز السّبعة أشخاص، كان القادة الثّلاثة منهم. و قد كان هذا، و الحال أنّ النّبيّ (ص) لم يكن معهم، فلو كان معهم، فكيف ستكون عليه الحال و المال.
و ها هو قيصر يرى عشرة أضعاف الثّلاثة آلاف و معهم قائدهم و سيّدهم الّذي يقدّسونه و يفدونه بأنفسهم. فأي جيش يمكن أن يواجه هؤلاء و ينتصر عليهم. و لذلك اتّخذ قرار الخداع دون الانصياع و المماطلة بديلًا عن المواجهة و المقابلة.
بركات غزوة تبوك
لقد كان لغزوة تبوك بركات و آثار هامّة نشير إلى بعضها:
1. فقد عرف الناس أنّه (ص) يقصد بحركته هذه إرهاب أعظم مَلِكٍ في ذلك الزّمن و قد كتب إليه يدعوه إلى الإسلام أو الجزية، ثمّ أرسل إليه رسالة دعوة