فما معنى نفيه هزيمة خالد أوّلًا، ثمّ إثباته لها أخيراً، حتّى لقد جعل خالداً أوّل منهزمٍ باللّواء فيهم، ثمّ تبعه النّاس؟
و نستطيع بعد كلّ هذا الّذي ذكرناه أن نؤكّد على أنّ كلّ الدّلائل تشير إلى أنّ الفارّين كانوا عارفين بعظيم جرمهم، كما أنّ أهل المدينة كانوا عارفين بذلك و كذلك رسول الله (ص)، ولكنّهم لم يرتكبوا بفرارهم ذنباً بنظر الشّرع، لأنّ الفرار من جيش يفوق عدده عدد جيش المسلمين بعشرات الأضعاف ليس حراما شرعاً؛ فإنّ الفقهاء قد ذكروا: أنّه يجوز الهرب في الجهاد في أحوال ثلاثة:
الأولى: أن يزيد عدد الكفّار على ضِعف عدد المسلمين.[1] الثّانية: أن يترك القتال، ولكن لا بنيّة الهرب، بل لأجل أن ينصرف ليكمن في موضع، ثم يهجم.
الثّالثة: أن يتحيّز إلى فئة و هو أن ينصرف على قصد أن يذهب إلى طائفةٍ ليستنجد بها في القتال.[2] و على هذا يحمل قوله (ص) للّذين اعترفوا أمامَه بالفرار من الزّحف: «بل أنتم
ب. مارواه العامّة عن ابن عباس قال: من فرّ من اثنين فقد فرّ و من فرّ من ثلاثة فما فرّ( سنن البيهقي، ج 9، ص 76، و الحاوي الكبير، ج 14، ص 182).
ج. ما روي من طريق الخاصّة: عن الصّادق( ع): من فرّ من رجلين في القتال من الزّحف فقد فرّ و من فرّ من ثلاثةٍ في القتال من الزّحف فلم يفرّ( الكافي، ج 5، ص 34، و التهذيب، ج 6، ص 174)
[2] 2. راجع: تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 411( ط ق) و ج 9، ص 61( ط. ج) و جواهر الكلام، ج 21، ص 58، و المهذّب، ج 1، ص 304، و جامع المقاصد، ج 3، ص 382.