الرّاية منهزماً.[1] 4. إنّ أهل المدينة قد طرد ذلك الجيش العائد بقيادة خالد و حثّوا التّراب في وجوههم، و هجروهم و عاقبوهم أسوأ عقوبة. فلو صحّ أنّهم قد انتصروا لكان ينبغي أن يلاقوهم بالورود و الأناشيد، و بالأفراح و الزّغاريد،[2] و أن يرفعوهم على الرّاحات، و يدوروا بهم في النّوادي و الساحات.
و لكان يجب على خالد و جيشه أن يعترضوا على استقبال أهل المدينة بالتّعنيف و الطّرد، و أن يشتكوهم إلى رسول الله (ص)، و يجهروا بمظلوميّتهم و بأنّهم معتدي عليهم. فلماذا اختبأوا في بيوتهم، حتّى إنّ منهم من ترك الحضور للصّلاة من شدّة الخجل ممّا حدث و حصل؟!
بل إنّ المتوقّع في مثل هذه الحالة هو أن يبادر رسول الله (ص) لمنع هذا التّجنّي و لجم الظّلم الّذي حاق بهؤلاء الأبرياء المجاهدين، و لو بأن يخطب النّاس في المدينة، و يؤنّبهم على ظلمهم هذا، إن لم يتمكّن من أن يعاقبهم عليه.
على أنّ هذا الّذي ذكرناه لا يعني أنّنا نريد أن ننفى أن يكون المسلمون قد أظهروا درجةً من الجدّيّة في قتال أعدائهم، و أنّهم قد سجّلوا عليهم انتصارات قويّة.
ولكنّنا نقول: إنّ ذلك إن كان قد حصل، فإنّما حصل في الأيّام أو في السّاعات الّتي سبقت استشهاد القادة، و لعلّ جذوته قد اتقدت بعد استشهادهم بصورة أكبر، ولكن خالداً ضيّع ذلك.
و من المضحك المبكي حديث الرّجل من بني مُرّة، الّذي أنكر فيه أن يكون خالد قد انهزم .... ثم شرح ذلك بأنّ اللّواء سقط بعد قتل ابن رواحة ... واستمرّت الحرب قال: «فنظرت إلى اللّواء في يد خالدٍ منهزماً، و اتّبعناه، فكانت الهزيمة».[3]
[1] 1. المغازي، ج 2، ص 763، و تاريخ مدينة دمشق، ج 49، ص 337
[2] 2. زغرد البعير: هدر مردّداً هديره في حلقه و منه زغردت النّساء في الفرح
[3] 3. الطبقات الكبرى، ج 2، ص 129، و تاريخ مدينة دمشق، ج 49، ص 37 و ج 68، ص 87.