قال ابن هشام: «و حدّثني مَن أثق به من أهل العلم: أنّ جعفر بن أبي طالب أخذ اللّواء بيمينه فَقُطّعت، فأخذه بشماله فَقُطّعت، فاحتضنه بعَضُدَيْه حتّى قتل «رحمه الله تعالى» و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنّة يطير بهما حيث شاء ...».[1] عن أبي جعفر (ع): «أصيب يومئذ جعفر، و به خمسون جراحاً، خمس و عشرون منها في وجهه».[2] فلمّا قتل جعفر، أخذ الرّاية عبدالله بن رواحة، ثم تقدّم بها و هو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه و يتردّد بعض التّردّد، ثمّ قال:
أقسمت يا نفس لَتَنْزِلَنَّه طائعة أو لتكرهنّه
إن أجلب النّاس و شدّوا الرَّنَّة مالي أراك تَكْرهين الجنّة[3]
قد طال ما قد كنتِ مطمئنّة هل أنتِ إلّا نطفةٌ في شَنَّةٍ[4]
ثم تقدّم فقاتل حتّى قتل، و وقع اللّواء من يده، فاختلط المسلمون و المشركون و انهزم بعض النّاس، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم، يقتل الرّجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبراً، فبادر خالد بن الوليد، فأخذ الرّاية و انهزم بها و تبعه سائر النّاس، ولكن هناك من سعى لتزوير الحقيقة و إيهام النّاس بعكسها، فادّعوا: أنّ الّذي حصل على يد خالد هو أحد الأمرين: إمّا مجرّد الإنحياز و المحاشاة، ثم الإنصراف؛ و إمّا النّصر و الفتح.
فقد ذكر ابن إسحاق: أنّه لم يكن إلّا المحاشاة و التّخلّص من أيدي الرّوم الّذين