و جعل عروة يرمق أصحاب رسول الله (ص) بعينه ... فإذا أمرهم بأمرٍ ابتدروا أمره، و إذا توضَّأ كادوا يقتتلوا على وضوئه، و لا يسقط شىءٌ من شَعره إلّا أخذوه، و إذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، و ما يُحِدّون النّظر إليه، تعظيماً له.
فلمّا فرغ عروة من كلام رسول الله (ص) و ردّ عليه الرّسول (ص) مثل ما قال لبُديل بن ورقاء، أتى عروةُ قريشاً، فقال: يا قوم، إنّي وفدت إلى الملوك: كسرى و قيصر و النّجاشي، و إنّي والله ما رأيت مَلِكاً قطّ أطوع فيما بين ظهرانيه من محمدٍ في أصحابه. و الله إن رأيت ملكاً قطّ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّدٍ محمّداً و ليس بِمَلِكٍ ... و اعلموا أنّكم إن أردتم منهم السّيف بذلوه لكم و قد رأيت قوماً لا يبالون ما يصنع بهم اذا منعتم صاحبهم ....
فقالت قريش: لا تتكلّم بهذا يا أبا يعفور، أوَ غيرك تكلّم بهذا؟ ولكن نردّه عامنا هذا و يرجع إلى قابل.
فقام الحُلَيْس بن علقمة و كان يومئذٍ سيّد الأحابيش، فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف على رسول الله (ص) قال (ص): هذا من قومٍ يُعظمون الْبُدن و يتألّهون[1]، فابعثوها له، فبعثت له، فلمّا رأى الهدى يسيل عليه من عُرض الوادى[2] عليها قلائدها،[3] قد أكلت أو بارها من طول الحبس، ثمّ رجع إلى قريش و لم يصل إلى رسول الله (ص) إعظاماً لما رأى، فقال لهم ذلك، فقالوا له: اجلس، فإنّما أنت أعرابي لاعلم لك، فغضب و قال: و الله ما على هذا حالفناكم، و لا على هذا عاقدناكم، أيُصَدُّ عن بيت الله من جاء مُعَظّماً له! و الّذي نفس الحُلَيس بيده لَتُخَلُّنّ بين محمّد و بين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نَفرَة رجلٍ واحد. قالوا له: مَه، كُفَّ عنّا يا حُليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
نجد أنّ جميع من جاؤوا من قِبَل قريش إلى النّبيّ (ص) لم يكن لديهم حجّةٌ