و يستوقفنا هنا قول رسول الله (ص): يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني و بين سائر العرب الخ ... فإنّ نظرة منصفة إلى واقع الحال تعطينا: أنّ هذا الكلام من رسول الله (ص) ما هو إلّا رسالة ذات مغزي عميق و دقيق، يريد الرّسول (ص) أن يوصلها إلى النّاس، من أجل سوقهم نحو هدف يريد أن يصل إليه. مع ما في ذلك من إظهار درجة من العطف على هؤلاء الّذين يظلمون أنفسهم و يظلمون غيرهم و هم قريش، أو على الأقلّ، فيه ايحاءٌ بأنّ من الممكن التّجاوز عما مضى و أنّ الأمور بينه و بين قريش لم تصل إلى نقطة اللّارجوع.
اتّصالات و مداولات
لمّا اطمأنّ رسول الله (ص) بالحديبيّة أتاه بُديل بن وَرقاء في رجال من خزاعة، فكلّموه و سألوه: ما الّذي جاء به؟ فأخبرهم أنّه لم يأت يريد حرباً، و إنّما جاء زائراً للبيت، و معظّماً لحرمته. فوعى بديل مقالة رسول الله (ص) و رجع إلى قريش و قال لهم: يا معشر قريش، إنّكم تعجلون على محمّدٍ، إنّ محمّداً لم يأت لقتالٍ و إنّما جاء معتمراً، فاتَّهَموه و جَبَّهوه[1] و قالوا: و إن كان جاء و لا يريد قتالًا، فو الله لا يدخلها علينا عامه هذا أبداً، حتّى لا يبقى منّا رجلٌ.
ثمّ بعثوا إلى رسول الله (ص) عروة بن مسعود الثّقفي، فجاء رسولَ الله (ص) فقال: يا محمد، إنّها قريش، قد استنفروا لك الأحابيش[2] و من أطاعهم، قد لبسوا جلود النّمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عَنْوَةً أبداً ....