وثقل آخرون، و لعلّهم تخوّفوا من كَرّة قريش عليهم حينما لابدّ لها من محاولة الانتقام لهذا الإجراء الّذي يستهدف مصالحها الحيويّة.
قال الواقدي: كره خروج رسول الله (ص) أقوامٌ من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل، و ما الخروج برأي، حتّى كان في ذلك اختلاف كثير.[1] و قد حكى الله تعالى ذلك، فقال: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ»[2]
نعم لقد كرهوا ذلك لعلمهم بأنّ قريشاً لن تسكت على أمر خطير كهذا. و من هنا نعرف: أنّ قول بعضهم: إنّ من تخلّف لم يكن يظنّ أنّ النّبيّ (ص) يلقى حرباً[3] في غير محلّه، بل هو محاولة إيجاد عذر للمتخلّفين مهما كان فاشلًا و غير معقولٍ. و إلّا فالآية الكريمة خير دليل على عدم صحّة هذا القول.
و خرج المسلمون يريدون العير، و علم أبوسفيان بالأمر، فأرسل إلى قريش يستنفرهم لنجاة العير. فلمّا جاء هم النّذير يناديهم: يا معشر قريش! اللّطيمة، اللّطيمة،[4] أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمّد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها ....
فتجهّز النّاس سراعاً و ما بقى أحد من عظماء قريش إلّا أخرج مالًا لتجهيز الجيش، و قالوا: من لم يخرج، نهدم داره، فلم يتخلّف رجلٌ إلّا أخرج مكانَه رجلًا. و بعث أبولهب العاصي بن هشام مكانه على أربعة آلاف درهم كانت له عليه من مال المقامرة على ما قيل-.[5]
[5] 5. السيرة الحلبية، ج 2، ص 145، و أنساب الأشراف، ج 1، ص 292، و راجع: السيرة النبوية لابن هشام، ج 2، ص 261 و تاريخ الخميس، ج 1، ص 370، و المغازي، ج 1، ص 33.