و قد أراد الإسلام أن يَنْصَهِر[2] الجميع في بوتقة[3] الإسلام ليصبحوا كالجسد الواحد في توادّهم و في تراحمهم و تعاونهم، و أن تتوحّد جهودهم و أهدافهم و حركتهم و مواقفهم؛ الأمر الّذي يؤكّد الحاجة إلى إعداد و تربية نفسيّة و خُلقيّة و فكريّة لكلّ هذه الفئات، لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض، و لتكون في مستوى المسؤوليّة الّتي يؤهلّها لها في عمليّة بناء للمجتمع الّذي له ربّ واحد و هدف و مصير واحد.
و ليصبح هذا المجتمع قادراً على تحمّل مسؤوليّة حماية الرّسالة و الدّفاع عنها، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدّي اليهود في المدينة، و العرب و المشركين، بل و العالم بأسره، لابدّ أن تنصهر كلّ الطّاقات و القدرات الفكريّة و الماديّة لهذا المجتمع في سبيل خدمة الهدف: الرّسالة فقط.
و المسجد هو الّذي يمكن فيه تحقيق كلّ ذلك؛ إذ لم يكن مجرّد محلّ للعبادة فقط و لا غير؛ بل كان هو الوسيلة الفضلى للتّثقيف الفكري، إن لم نقل: إنّه لا يزال حتّى الآن أفضل وسيلة لوحدة الثّقافة و الفكر و الرّأي، حينما يفترض فيها أن تكون من مصدر واحد، و تخدم هدفاً واحداً في جميع مراحل الحياة، مع الشّعور بالقدسيّة و الارتباط بالله تعالى.
و هو من الجهة الأخرى وسيلة لشيوع الصّداقات[4] و بثّ روح المحبّة و المودّة بين المسلمين؛ فإنّه حينما يلتقي المسلمون ببعضهم البعض عِدّة مرّات يوميّاً في جوّ من الشّعور عملًا بالمساواة و العدل، و حينما تتساقط كلّ فوارق الجاه و المال و غيرها و يبتعد شبح الأنانيّة و الغرور عن أفق هذا الإنسان، فانّه لابدّ أن