شارك (ص) بنفسه في نقلها؛ الأمر الّذي دفع الصّحابة إلى الدّأب في العمل و الجدّ فيه، حتّى قال قائلهم:
لئن قعدنا و النّبيّ يعمل لذاك منا العمل المضلّل
و ارتجز المسلمون و هم يبنونه، يقولون:
أللّهم إنّ الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار و المهاجرة[1] و جعل طوله مئة ذراع في مثلها، أو قريباً من ذلك. و قيل: جعله سبعين في ستّين.[2] و ابتني (ص) مساكنه، و كذا الأصحاب مساكنهم حول المسجد، و كلّ قد شرع له إلى المسجد باباً، و قد سُدّت الأبواب كلّها فيما بعد، سوى باب أميرالمؤمنين (ع).
لماذا المسجد أوّلًا؟
إنّ من الملاحظ، أنّ أوّل عملٍ بدأ به (ص) في المدينة هو بناء المسجد، و هو عمل له دلالته و أهميّته البالغة؛ و ذلك لأنّ المسلمين كانوا فئتين: مهاجرين و أنصاراً، و تختلف ظروف كلّ من الفئتين و أوضاعها النفسيّة و المعنويّة و المعيشيّة و غير ذلك عن الفئة الأخرى.
و المهاجرون أيضاً كانوا من قبائل شتّى، و مستويات مختلفة؛ فكريّاً و اجتماعيّاً، ماديّاً و معنويّاً، كما و يختلفون في مشاعرهم و في علاقاتهم، ثمّ في نظرة النّاس إليهم، و مواقفهم منهم و تعاملهم معهم إلى غير ذلك من وجوه التّباين و الاختلاف و قد ترك الجميع أوطانهم و أصبحوا بلا أموالٍ و بلا مسكن، و كذلك الأنصار؛ فإنّهم أيضا كانوا فئتين متنافستين، لم تزل الحرب بينهما قائمة على
[1] 1. راجع: السيرة الحلبيّة، ج 2، ص 67 و 71 و 64 و 65
[2] 2. و يحتمل أن يكون كلاهما صحيحاً، و أنّه( ص) جعله في البناء الأوّل سبعين في ستين، ثمّ وسعه في البناء الثّاني( راجع: وفاء الوفاء، ج 1، ص 340 فما بعدها و تاريخ الخميس، ج 1، ص 365 و 366 و التّراتيب الإداريّة، ج 2، ص 77.