تترسّخ حينئذٍ فيما بين هذا المجتمع أواصر[1] المحبّة و التّآخي و التآلّف و يشعر كلّ من أفراده بأنّه في مجتمع يبادله الحبّ و الحَنان،[2] و أنّ له إخواناً يهتّمون به، و يعيشون قضاياه و مشاكله و يمكنه أن يستند إليهم و يعتمد عليهم.
والمسجد هو أجلى و أفضل موضع لتبسيط العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، و تقليل مشاكل التّعامل الرّسمي، و التكلّفات البغيضة، الّتي توحى بوجود فوارق و مميّزات، بل و حدود تفصّل هذا عن ذاك و بالعكس.
و الخلاصة: لقد كان المسجد موضع عبادة و تعلّم و تفهّم لما يفيد في أمور الدّين و الدّنيا، و تربية نفسيّة و خُلقية، و محلّاً للبحث في كلّ المشاكل الّتي تهمّ الفرد و المجتمع، و مكاناً مناسباً للتّعارف و التّآلف بين المسلمين، و مركزاً للقيادة و الرّيادة؛ ففيه كان (ص) يستقبل الوفود، و يبتّ[3] في أمور الحرب و السّلم، و يفصل الخصومات، و فيه كان يتمّ البحث عن كلّ ما يهمّ الدّولة و شؤونها، و النّاس و معاملاتهم و ارتباطاتهم؛ و فيه كان يجد الضّعيف قوّته، و المهموم المغموم سلوته[4] و الّذي لا عشيرة له ينسى بل يجد فيه عشيرته، والمحروم من العطف و الحَنان بُغيَتَه.
2. المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار
و بعد خمسة أو ثمانية أشهر أو أقلّ أو أكثر[5]- من مقدمه (ص) المدينة آخى بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار على الحقّ و المواساة، و كان المسلمون حين المؤاخاة على ما يقولون تسعين رجلًا، منهم خمسة و أربعون رجلًا من
[1] 1. جمع الآصرة و هي ما عطفك على رجلٍ من رَحِمٍ أو قرابةٍ أو صهرٍ أو المعروف