عَلَيهِم ولا هُم يَحزَنُونَ؟
قالَ عِيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام: الَّذِينَ نَظَرُوا إِلى باطِنِ الدُّنيا حِينَ نَظَرَ النّاسُ إِلى ظاهِرِها، والَّذِينَ نَظَرُوا إِلى آجِلِ الدُّنيَا حِينَ نَظَرَ النّاسُ إِلى عاجِلِها، فَأَماتُوا مِنها ما يَخشَونَ أَن يُمِيتَهُم، وتَرَكُوا ما علِمُوا أَن سَيَترُكَهُم، فَصارَ استِكثارُهُم مِنها استِقلالًا، وذِكرُهُم إِيّاها فَواتاً، وفَرَحُهُم بِما أَصابُوا مِنها حَزَناً، فَما عارَضَهُم مِن نائِلِها رَفَضُوه، وما عارَضَهُم مِن رَفعَتِهَا بِغَيرِ الحَقِّ وَضَعُوهُ.
خُلِقَتِ الدُّنيا عِندَهُم فَلَيسُوا يُجَدِّدُونها، وخَرِبَت بَينَهُم فَلَيسُوا يُعَمّرُونَها، وماتَت فِي صُدُورِهِم فَلَيسُوا يُحِبُّونَها، يَهدِمُونَها فَيَبنُونَ بِها آخِرَتَهُم، ويَبِيعُونَها فَيَشتَرُونَ بِها ما يَبقى لَهُم، ورَفَضُوها فَكانُوا فِيها هُمُ الفَرِحِينَ، ونَظَرُوا إِلى أَهلِها صَرعى قَد خَلَت فِيهِمُ المَثُلاتُ، وأَحيَوا ذِكرَ المَوتِ، وأَماتُوا ذِكرَ الحَياةِ.
يُحِبُّونَ اللَّهَ ويُحِبُّونَ ذِكرَهُ ويَستَضِيؤُونَ بِنُورِهِ ويُضِيئُونَ بِهِ، لَهُم خَبَرٌ عَجِيبٌ وعِندَهُمُ الخَبَرُ العَجِيبُ، بِهِم قامَ الكِتابُ وبِهِ قامُوا، وَبِهِم نَطَقَ الكِتابُ وبِهِ نَطَقُوا، وبِهِم عُلِمَ الكِتابُ وبِهِ عَلِمُوا، ولَيسُوا يَرَونَ نائِلًا مَعَ ما نالُوا، ولا أَماناً دُونَ ما يَرجُونَ، ولا خوفاً دُونَ ما يَحذَرُونَ.[1]
راجع: ص 254/ ذكر اللَّه ومحبّته.
4/ 5 حُبُّ المَساكينِ
138. عدّة الداعي- فِي قَولِ اللَّهِ تَعالى إِلى عِيسى عليه السلام-: يا عِيسى، إِنّي قَد وَهَبتُ لَكَ حُبَّ المَساكِينِ وَرَحمَتُهُم، تُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَكَ، يَرضَونَ بِكَ إماماً وَقائِداً، وَترضى بِهِم
[1]. الزهد لابن حنبل: ص 78، تفسير الآلوسي: ج 11 ص 150، الدرّ المنثور: ج 4 ص 370.