الأول: أن يقال: إن العزلة الممدوحة
إنما هي العزلة بالقلب دون البدن كما يرشد إلى ذلك ما رواه عبد الله بن سنان[1128] عن الصادق عليه السلام قال: طوبى لعبد عرف
الناس[1129]، فصاحبهم ببدنه ولم
يصاحبهم بقلبه فعرفوه في الظاهر وعرفهم في الباطن[1130].
الثاني: أن يراد
بالعزلة العزلة عن أهل الدنيا الذين يشغلون الإنسان عن ذكر الله، لا أهل الآخرة من
العلماء والعقلاء والعرفاء الذين يكتسب من أخلاقهم ويستفيد من علومهم وأحوالهم ويتوصل
إلى الأجر والثواب بمخالطتهم ويشهد لذلك قول الكاظم عليه السلام:
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل الدنيا
والراغبين فيها ورغب في ما عند الله، ومن رغب في ما عند الله
كان أنيسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة وغناه في العيلة ومعزه من غير عشيرة[1131].
[1128]
عبد الله بن سنان بن طريف: مولى بني هاشم، يقال مولى بني أبي طالب، ويقال مولى بني
العباس. كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد، كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل،
لا يطعن عليه في شيء، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل روى عن أبي الحسن
موسى عليه السلام وليس بثبت. له كتاب الصلاة الذي يعرف بعمل يوم وليلة، وكتاب
الصلاة الكبير، وكتاب في سائر الأبواب من الحلال والحرام. روى هذه الكتب عنه
جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة وثقته وجلالته. أخبرني الحسين بن عبيد الله
قال حدثنا أحمد بن جعفر قال حدثنا حميد عن الحسن بن سماعه، عن عبد الله بن جبلة
عنه.
رجال
النجاشي، أحمد بن علي النجاشي: 214، باب العين/ الرقم 558.
[1130] مستدرك الوسائل، النوري:
11/ 386، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، باب 51 استحباب لزوم المنزل غالبا مع
الإتيان بحقوق الإخوان لمن يشق عليه اجتناب مفاسد العشرة/ ح10.