المبحث السادس: في قابلية من عاود المعصية بعد التوبة للتوبة
فلو تاب العبد من ذنوبه التي ارتكبها، ورجع إلى الله سبحانه، ولكنّه عاد إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي، فهل يسقط بعوده غير المحمود عن قابليّة التوبة؟
والواضح أنه لا دليل على عدم القابلية بالعود، بل تكثّرت الروايات على قبول التوبة منه مهما عاود إذا تاب ورجع إلى الطريق المستقيم، وإليك طائفة منها:
الأولى: صحيحة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: (قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)، قَالَ: هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لا يَعُودُ فِيهِ أَبَداً، قُلْتُ: وَأَيُّنَا لَمْ يَعُدْ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُفَتَنَ التَّوَّاب) [1]، ونحوها رواية أبي الصباح الكناني [2]، ورواية أبي جميلة [3].
الثانية: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ: ذُنُوبُ الْمُؤْمِنِ إِذَا تَابَ مِنْهَا مَغْفُورَةٌ لَهُ، فَلْيَعْمَلِ الْمُؤْمِنُ لِمَا يَسْتَأْنِفُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَيْسَتْ إِلا لأَهْلِ الإيمَانِ، قُلْتُ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ وَعَادَ فِي التَّوْبَةِ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ: أَتَرَى الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ يَنْدَمُ عَلَى ذَنْبِهِ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَيَتُوبُ ثُمَّ لا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ؟! قُلْتُ: فَإِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ؟ فَقَالَ: كُلَّمَا عَادَ الْمُؤْمِنُ بِالاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ عَادَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُقَنِّطَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه) [4].
الثالثة: مرسلة الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي الإرْشَادِ- في حديث- قَالَ: (وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُذْنِبُ، فَمَا أَقُولُ إِذَا تُبْتُ؟ قَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، فَقَالَ: إِنِّي أَتُوبُ ثُمَ
[1] وسائل الشيعة 72: 16 ب 86 من أبواب جهاد النفس ح 3.
[2] وسائل الشيعة 72: 16 ب 86 من أبواب جهاد النفس ح 4.
[3] وسائل الشيعة 80: 16 ب 89 من أبواب جهاد النفس ح 2.
[4] وسائل الشيعة 79: 16 ب 89 من أبواب جهاد النفس ح 1.