ويلاحظ على الشقّ الثاني أنه لا
تعارض حتى بالعموم من وجه بين روايات العدالة وبين الصحيحتين في ضوء ما فهمناه
منهما؛ إذ أنهما إثباتيان، فروايات العدالة وكذا الآية تأخذ في شاهد الطلاق
العدالة، والصحيحتان تأخذان فيه الإسلام والإيمان والعدالة، ولا معارضة بين
القبيلين.
وقد يقال: إن ظاهر موثّقة
سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ: (مَنْ
عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ،
وَوَاعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ- كَانَ مِمَّنْ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ، وَكَمَلَتْ
مُرُوَّتُهُ، وَظَهَرَ عَدْلُهُ، وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُه) [2]-
أن قضيّة العدالة المعتبرة في الشهادة مرتبطة بالإسلام والسلوك العملي الذي يدلّ
على المناعة الأخلاقيّة فحسب، وأما اعتبار الإيمان فيها فكأنه أمرٌ غير عرفي سيما
في القضايا التي لا ترتبط بالجانب المذهبي؛ لأن عالم الشهادة بحسب المتفاهم العرفي
عالم يتصل بمسألة صدق الشاهد، وهو عالم إثبات المشهود به، ومسألة الصدق تحتاج إلى
قاعدة نفسيّة من حيث المبدأ، والإسلام يفرض الصدق والأمانة والعفّة، وإن اختلف
المسلمون في بعض التفاصيل [3].
[1] ففي الرواية عن إبراهيم
الكرخي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون
الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا ..). معاني الأخبار: 2 ب 1 ح 3، وعنه في
البحار 184: 2 ب 26 من أبواب العلم ح 5، وعن المفضَّل بن عمر قال: قال أبو عبد
الله (ع): (خبر تدريه خير من عشر (عشرة) ترويه، إن لكلّ حقّ حقيقة، ولكلّ صواب
نورا، ثمّ قال: إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يُلحن له، فيعرف
اللحن ..). غيبة النعماني: 143- 144، وعنه في البحار 208: 2 ب 26 من أبواب العلم ح
101. ولاحظ الجواهر 259: 10.
[2] وسائل الشيعة 315: 8- 316 ب
11 من أبواب صلاة الجماعة ح 9.