وعليه فلا يصحّ ما
قاله البعض من عدم صحّة تلك الأخبار أو نسخها أو ، بل الأمر يرجع إلى أمور أعمق مما يقولون ، والحوادث
التاريخية تؤكّد ما قلناه .
إنّ متابعة السير التاريخيّ للأذان وما آل إليه في « حيّ
على خير العمل » يكشف لنا عن أُمور عديدة متمادية
الأطراف ترجع جذورها إلى عهد رسول الله 0 . ويمكن تلمّس ذلك بوضوح من خلال دراسة التاريخ والسيرة والحديث ، وهذه المسألة من الأهميّة بمكان ، بحيث إنّك كلّما بحثت في مسألة من
مسائلها تفتّحت لك أبواب مسائل أُخرى ذات ارتباط عميق بها ، ولا يمكنك تركها أو التهاون بها ، فالمسألة أكبر من كون « حيّ
على خير العمل » شعار الشيعة و« الصلاة
خير من النوم » شعار السنّة .
صحيح أنَّ الحركات التغييريّة التي قادها الشيعة عبر فترات التاريخ
المختلفة تُبيِّنُ أنَّهم قد أظهروا مسألة « حيّ
على خير العمل » في الأذان كعنصر تحدٍّ وتعاملوا معها
كشعار لهم ـ كما
حصل في الدولة الفاطميّة في مصر ،
والدولة الزيدية في طبرستان ،
والبويهية في بغداد ،
والحمدانية في حلب ـ
إلّا أنَّ ذلك لا يتجاوز ظاهر المسألة .
ذلك أنّ مصادر
الحديث والتاريخ والسيرة تُظِهر لنا بأنّ « حيّ على خير العمل» لها ج ذور وأصالة شرعيّة ، فهي أوسع من أن تتضيق في زاوية كونها شعار فرقة أو طائفة أو مذهب .
نعم ، كان بلال يؤذِّن بها في عهد رسول الله 0 ، وقد أذّن مرّة أو مرّتين للزهراء والحسنين في زمن أبي بكر ولم يُتمّ
أذانه . ويظهر من جمع الأدلة المارّة وما قلناه أنّه كان يؤذن بـ « حيّ على
خير العمل » ، ولذلك امتنع عن الأذان في زمن الشيخين أبي بكر وعمر ؛ إذ جاء في الخطط للمقريزيّ ( ت 845 هـ )
وغيره : ( وأنَّ
عمر أراده أن يؤذِّن له فأبى عليه )[819] لماذا ؟!
[819]
الخطط المقريزية 2 : 270 - وانظر الفصل
الثاني من هذا الباب « حذف الحيعلة ، وامتناع بلال عن
التأذين » .