وكلامهم هذا يؤذن بوجوب رئيس له مزية على سائر رعيته ، والإمام
يمتاز على سائر الأمة بعصمته ، فتكون الإمامة على وفق ما أصله الحكماء .
فإن قيل : لو وجب نصب الإمام لكان ذلك مشروطا بانبساط يده أولا مع
ذلك الشرط ، والقسمان باطلان ، أما الملازمة ظاهرة : فأما بطلان الأول فلأن
الأزمان تنقضي مع أنه لا يرى إمام منبسط اليد متمكن من إمضاء الأحكام ، بل
لا يعلم وجود مثله .
وأما الثاني فباطل ، إذ لا فائدة في إمام هذا شأنه .
فالجواب : لا يكون مشروطا .
وقوله ( لا فائدة في إمام هذا شأنه ) ممنوع ، لأن فيه فوائد جمة أيسرها [1] قيام الحجة على المكلفين .
وتحقيق هذا : إن لطف الإمامة ذو شعب ثلاث : منه ما يختص بالله تعالى
كنصب الرئيس ، ومنه ما يختص بالإمام وهو قبول اللطف والقيام بأعباء ما حمل
، ومنه ما يختص بالمكلف وهو الإنقياد لأوامر الإمام والمعاضدة له .
فلو أخل الله سبحانه بنصبه لكان مخلا بما يجب عليه في الحكمة ، وذلك
قبيح لا يفعله إلا جاهل بقبحه أو محتاج إليه ، ويتعالى الله عن ذلك علوا
كبيرا .
ولما انزاحت علة المكلفين فيجب أن ينصب الله تعالى ، بحيث إذا أخل
المكلف بالقبول يكون فوات مصلحته بسوء اختياره ، كما كان فوات مصلحة الكافر
بسوء اختياره .
وكذا المصلحة المخلة بالشرعيات ، فلا وسط مخل بلطف المعرفة .