البرهان الثاني : لما كان لشخص البشر قوة وغضب وامتعاض من مثل ما
يفعل بالموتى من غسلهم وتحنيطهم وتكفينهم وسد منافذهم ، وكن من حال الموت
لا يغضب ولا يمنع إذا فعل به ذلك ، ويبطل منه غضبه ومنعته من غير بطلان
ذاته أو جارحة من جوارحه .
كان من ذلك العلم بأن غضبه من ذاته ولا من قوة " إذ لو " [1] كان من ذاته لكان غاضبا مانعا ممتعضا بوجود ذاته .
ولما لم يكن من ذاته كان من غيره ، والغير هو الذي نسميه نفسا .
إذا النفس ثابتة .
البرهان الثالث : لما كان سكون كل ساكن لا يخلو إما أن يكون بالطبع
وإما أن يكون بالقهر ، وكان ما كان سكونه بالطبع لا يكون زوال سكونه بالطبع
إلا بتحريك محرك ، مثل حجر الطاحونة الذي إذا تركه المحرك له عاد إلى حال
سكونه ، وما كان سكونه بالقهر لا يدخل السكون عليه إلا بإمساك ممسك مثل
ارتعاد القصبة في الماء الجارية التي لا تسكن إلا بإمساك ممسك .
وإذا تركها الممسك عادت إلى حال حركتها .
وإذا كان شخص البشر سكونه عند الموت لابقهر قاهر ، ولا بإمساك ممسك
إياه ، ثبت أن سكونه بالطبع ، ولما كان سكونه بالطبع لزم أن زوال سكونه لم
يكن إلا بتحريك محرك إياه ، وأن سكونه حين كان ساكنا لم يكن إلا في ترك
المحرك تحريكه إياه ، وإذا لزم أن زوال سكونه بتحريك محرك إياه وسكونه في
ترك المحرك تحريكه ، ثبت أن له في حال حركته محركا إذا تركه لم يتحرك ،
والمحرك هو الذي نسميه نفسا .