ولم يعو منطق الامام فانطلقوا مدفوعين وراء أطماعهم ، وأهوائهم ،
وقد كشف الزمن بعد حين صدق ما أخبر به علي ، فقد شهروا السيوف وأراقوا دماء
المسلمين ، وخانوا العهود ليصلوا إلى صولجان الحكم والسلطان ، وصار بعضهم
أئمة لأهل الضلال ، وشيعة لأهل الجهالة .
وكثر النقاش ، وعم الجدل ، فلم يسفر الاجتماع عن أية نتيجة ، وأخذت
فترة الزمن التي حددتها تضيق فأشرف عليهم أبو طلحة يهددهم قائلاً :
« والذي ذهب بنفس عمر . لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرت » .
وراح الأجل الذي ضربته للاختيار يتقلص ، وآراؤهم بين مد وجزر لا
توصلهم إلى شاطئ الاختيار إلى أن فاجأهم عبد الرحمن بما رآه حلاً قائلاً :
« أيكم يخرج منها نفسه على أن يوليها خيركم » .
فبهتوا جميعاً لحله الكسيح الغير الموفق ، إذ كيف يتنازل أحد منهم
عن حقه ، ويجعل مقدراته بيد الآخرين . وتمهل عبد الرحمن قليلاً فقال :
« أنا أنخلع منها » .
وطفق عثمان يؤيد هذه الخطوة قائلاً :
« وأنا أول من رضي » .
وتابعه القوم سوى علي فإنه علم بما دبر له ، وقد وهب سعد بن أبي
وقاص حقه لعبد الرحمن ، فصار عبد الرحمن صاحب القول الفصل ، والحكم العدل ،
واضطرب علي فقال له :
« اعطني موثقاً لتؤثرن الحق . . ولا تتبعن الهوى ، ولا تخص رحم ، ولا تأل الأمة » .
« على ميثاق الله » .
واستشار عبد الرحمن القرشيين في الأمر فزهدوه في علي ، وحببوا له عثمان ،