لا يعقل جعل نجاسة الخمر الموجودة في الممالك التي لا يسافر
الإنسان إليها عادة؛ لأنّ الواضح أنّ جعل الأحكام الوضعية أيضاً إنّما هو لغرض
ترتيب الأثر، فمع عدم الابتلاء به عادة لا يعقل جعل النجاسة له، مع أنّ الخمر حرام
في أيّ محلّ كان، كما يشهد به ضرورة الفقه.
و منها: غير
ذلك من الامور التي تقدّمت الإشارة إلى بعضها سابقاً.
و حينئذٍ فالتكليف ثابت بالنسبة إلى جميع الناس من القادر
و العاجز و العالم و الجاهل و المضطرّ و المختار، غاية الأمر كون العاجز و نظائره
معذوراً بحكم العقل في مخالفة التكليف، لا أنّه خارج عن المخاطبين بحيث لم يكن
الخطاب متوجّهاً إليه، و حينئذٍ نقول: إنّ الاضطرار الحادث في المقام بسوء
الاختيار لا يصير عذراً بنظر العقل أصلًا.
أ ترى ثبوت العذر لمن ألجأ نفسه في ارتكاب المحرّمات
الشرعية بسوء الاختيار، كمن اضطرّ إلى شرب الخمر و أكل لحم الميتة بسوء اختيار
نفسه؟
ثمّ إنّه لو قلنا بعدم توجّه الخطاب الفعلي إليه لكونه
مضطرّاً و لو بسوء الاختيار، فلا مجال للقول بعدم استحقاقه للعقوبة، بل لا يرتاب
فيه عاقل أصلًا، كيف و لازمه عدم استحقاق من اضطرّ بسوء اختياره إلى سائر
المحرّمات الشرعية للعقوبة أصلًا، فيجوز أن يدخل الإنسان داراً يعلم بأنّه لو دخل
فيها يصير مضطرّاً إلى شرب الخمر أو مكرهاً عليه، و لا يترتّب عليه عقوبة أيضاً و
من المعلوم أنّ ضرورة الشرع و العقل على خلافه.
ثمّ إنّه لو سلّمنا اقتضاء النهي عن الشيء الأمر بضدّه
العامّ و قلنا بثبوت الملازمة العقلية بين وجوب المقدّمة و وجوب ذيها و قطعنا
النظر عمّا ذكرنا من عدم انحلال الخطابات الشرعية إلى الخطابات المتكثّرة حسب
تكثّر المكلّفين، فلا يكون في البين مانع من الالتزام بقول أبي هاشم و أتباعه
القائلين بكونه