و
يكفي في فضله الخاصّ ما ورد في شأنه من قوله تعالى في الحديث القدسي:
«الصوم لي و أنا اجزي به» [1] فإنّ الظاهر عدم كون المراد من الجملة
الأولى هو مجرّد اعتبار قصد القربة المعتبر في جميع العبادات، بل باعتبار
الخصوصيّات الموجودة فيه من كونه أمرا عدميّا، و في مثله لا يجري الرّياء بوجه، و
اشتماله على الكفّ عن أمور كثيرة في النهار الذي ربما تكون ساعاته كثيرة باختلاف
الفصول، و تلك الأمور امور مهمّة ترتبط بحياة الإنسان و الغرائز الموجودة فيه و
ممّا يبتلي به نوعا، خصوصا مع تكرّره في كلّ سنة شهرا، بخلاف الحجّ الذي لا يجب
إلّا على المستطيع فقط في جميع عمره مرّة واحدة.
و
أمّا قوله- تعالى-: «و أنا اجزي به» فالظاهر أنّه بصيغة المجهول؛ لأنّ جزاء جميع
الأعمال الحسنة يرتبط به تعالى، فالمراد ظاهرا أنّه تعالى بنفسه جزاء الصوم، كما
في قوله تعالى: وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ[2]، و هذا أعلى مراتب الجزاء و نهاية اللطف و الكرامة، و قد قال اللّه
تعالى في ذيل آية الصوم تعليلا لإيجابه: لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ[3]. و الظاهر أنّ المراد به حصول التقوى
بسببه؛ لأنّ من أمسك عن أكل ماله الحلال يسهل له الإمساك و الاجتناب عن المال
الحرام، و من أمسك عن الجماع مع حليلته يهوّن عليه الاجتناب عن النساء المحرّمات و
هكذا، فالصوم كأنّه مقدّمة لحصول الواجبات الاخر و ترك المحرمات، مضافا إلى ما
يتضمّنه من جهات اجتماعيّة، فالإحساس بالجوع يثير في النفس التعاطف مع الجائعين، و
كذلك درك الألم
[1] وسائل الشيعة 10: 397- 403 كتاب الصوم،
أبواب الصوم المندوب، ب 1 ح 7 و 15، بحار الأنوار 70: