responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 63

نوعين أخرين من الضمانات التنفيذية: أحدهما أنّ آحاد المسلمين وجميع المؤمنين مأمورون بذلك على أساس:

«كُلُّكم راعٍ وكلُّكم مَسؤولٌ عن رعِيّتِه» [1]

وبفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والآخر: التصديقات الاعتقادية والأخلاقية التي يعتقد بها الشخص العامل، لأنّ العمل بالقانون بالنسبة للإنسان المعتقد والمؤمن يكون بدافع إيمانه واعتقاده بلزوم العمل بالتكليف الإلهي بعنوان أداء «وظيفة» شرعية، فالعمل بالقانون يتميّز بالقداسة ويتّصل بالوظيفة الإلهية لا بعنوان كونه سلسلة «من المقررات الجافّة» ولا سيّما مع الأخذ بنظر الاعتبار، الاعتقاد بفطرية الأحكام الدينية وانسجامها مع الدوافع الباطنية والميول الوجدانية واقترانها بالجوانب الأخلاقية، ومن هنا فإنّ الإنسان المكلّف يتحرّك في امتثال هذه القوانين من موقع «طيب الخاطر» غالباً، لا من موقع الإكراه والتكلّف.

وبعبارة أخرى: إنّ القوانين البشرية وبسبب افتقادها لأساس الإيمان المذهبي والاعتقاد الديني فإنّها لا تتمتّع بضمانات تنفيذية للحدّ من الجرائم سوى ما تقرّره من عقوبات مادية كالسجن وأمثال ذلك، وأمّا ما يخفى على الأجهرة القضائية والقوى الأمنية فإنّه خارج عملًا عن دائرة الضمانة التنفيذية، في حين أنّ القوانين الدينية كقوانين الإسلام تتمتّع من جهة بسعة دائرة الإشراف وهي التي تتمثّل بحضور اللَّه تعالى في كلّ مكان وحضور الكتبة لأعمال الإنسان حسب ما يعتقده المتديّنون، مضافاً إلى شهادة الشهود من أعضاء بدن الإنسان وما تخلّفه أفعال الإنسان من آثار في دائرة الزمان والمكان وغير ذلك، ومن جهة أخرى فإنّ مسألة الثواب والعقاب لا تنحصر بهذا العالم الذي نعيشه ولا بالجانب المادّي، بل تشغل هذه العقوبات وأشكال الثواب مساحة واسعة من حياة الإنسان المادية والمعنوية.

واللافت أنّ الضمانة التنفيذية في القوانين البشريّة تفتقد عادة لمسألة الثواب والتشويق سوى في بعض الموارد الاستثنائية وهي بدورها غير ملزمة، ولكن الضمانة التنفيذية الدينية تمتاز باهتمامها بدور الثواب والتشويق بنفس مقدار اهتمامها بالعقوبات، وهذه المثوبات قد تكون في الدنيا كما نقرأه في هذه الآيات الشريفة: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى‌ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» [2] و «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‌ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً» [3] وكذلك المثوبات الأخروية نظير ما ورد في قوله تعالى:

«وَسَارِعُوا إِلَى‌ مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» [4].

ويكفي لبيان عمق تأثير الاعتقادات الدينية في عملية تنفيذ القوانين، الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّه طبقاً لما ورد في الروايات الإسلامية فإنّ بعض المذنبين والجانحين يقومون بتقديم أنفسهم للحكومة الإسلامية في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله أو في عصر الإمام عليّ عليه السلام ويطلبون إجراء الحدّ الشرعيّ في حقّهم ليتطهّروا من الإثم والخجل بين يدي اللَّه تعالى، بل في بعض الموارد التي لا يكفي لإقامة الحدّ فيها إقرار واحد وبالرغم من منح المعترف وقتاً آخر، والتلويح له أنّه إذا لم يراجع المحكمة مرّة أخرى فإنّ الحدّ لا يجري عليه وأنّ توبته‌


[1]. صحيح البخاري، ج 1، ص 215؛ بحار الأنوار، ج 72، ص 38.

[2]. سورة الأعراف، الآية 96.

[3]. سورة نوح، الآيات 10-/ 12.

[4]. سورة آل عمران، الآية 133.

نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست