ولكنّ أكثر فقهاء المذاهب الأخرى يرون جواز زيارة النساء للقبور إذا لم يوجب
مفسدة وفتنة، من قبيل زيارة العجائر للقبور، بل إنّ الأحناف والمالكيين يرون
استحباب هذا العمل أيضاً، لأنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله أمر جميع أمّته:
. وضمناً أوصى النسوة باجتناب الأعمال المنافية للشرع في تلك الأجواء [3].
2. هل يجوز للقاضي أن يعمل بعلمه، أم لا؟
ذهب مالك وأحمد إلى عدم جواز هذا الأمر، وأحد الأدلّة التي يستدلّ بها لذلك «سدّ الذرائع»؛ لأنّ القاضي
إذا أصدر حكمه على أساس علمه وبدون استناد على شاهد أو إقرار من قِبل المحكوم
عليه، سيكون مورد سوء الظنّ ويتّهم باستلام الرشوة، وربّما يتحرّك واقعاً على
مستوى الانحياز في الحكم إلى جهة الظلم والجور.
ولكن الشافعيين والأحناف ذهبوا إلى الجواز، لأنّ إقامة البيّنة تعتبر وسيلة
للحصول على العلم واليقين للقاضي، وعندما يملك القاضي العلم واليقين بنفسه، فلا
حاجة حينئذٍ إلى شاهد وإقرار [4].
وكذلك الإماميّة ذهبوا إلى الجواز، لأنّ القاضي حسب الفرض أمين وعادل،
والمعيار في حكمه هو أن يقوم على أساس العلم واليقين، سواء من طريق الشاهد
والإقرار، أم من غير ذلك، ولكنّ الإماميّة ذكروا بعض الضوابط والشروط الخاصّة لتحقّق
هذا العلم، ومنها أن يكون حاصلًا من المبادىء الحسّيّة أو القريبة من الحسّ [5].
3. من البديهي أنّ المشتري في المعاملة الباطلة إذا اشترى حسب الظاهر شيئاً
وتصرّف فيه، فإنّه لا يعدّ ملكاً له قطعاً، فيجب عليه إعادته إلى مالكه فوراً.
ولكن إذا تحمّل بعض النفقات في إعادة المبيع لصاحبه، فهل تكون هذه النفقات بعهدة
المشتري أم لا؟
نقل الشيخ الأنصاري عن العلّامة الحلّي في «تذكرة الفقهاء» وعن المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» الفتوى
بلزوم دفع المشتري لنفقات النقل واستدلّوا لذلك بوجوب مقدّمة الواجب [6].
ملاحظة:
يتبيّن ممّا تقدّم في الأبحاث السابقة أنّ «سدّ الذرائع» في فقه أهل السنّة،
يختلف اختلافاً جليّاً مع «مقدّمة
الحرام» في فقه الشيعة، فأهل السنّة يبحثون في «سدّ
الذرائع» في مورد إمكان إساءة استغلال الحكم، من قبيل حجّية علم القاضي، أو زياة
القبور للنساء وأمثال ذلك، في حين أنّ مقدّمة الحرام لها مفهوم عام يشمل هذه
الموارد وموارد أخرى من قبيل تهيئة الأرضية للوقوع في المعصية من قِبل المذنبين.
[1]. فتح الباري، ج 3، ص 118؛ كنز
العمّال، ج 16، ص 388.
[2]. صحيح مسلم، ج 3، ص 65، كتاب
الجنائز، باب استئذان النبيّ صلى الله عليه و آله ربّهفي زيارة قبر أُمّه.