وعن الحلبي
الاحتجاج على ما صار إليه بأنّ : « الشرعيّات كلّها ظنّية ، وأنّ العمل بالمرجوح
مع قيام الراجح باطل » [١] ، وقد يحتجّ له أيضا : « بأنّ الاشتغال بالطهارة بالماء
الطاهر والصلاة بالثوب الطاهر ثابت يقينا ، وهو ممّا يقتضي اليقين بالبراءة جزما ،
ولا يحصل اليقين إلّا بالطاهر الواقعي لمكان وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ،
وقضيّة ذلك تعيّن الاجتناب عمّا ظنّ بنجاسته ، لأنّ مقدّمة الواجب المطلق ممّا لا
بدّ منها ». [٢]
والجواب عن
الأوّل : بمنع ابتناء الشرعيّات مطلقة على الظنّ ، لو اريد بها ما يعمّ الموضوعات
الخارجيّة كما هو المتنازع فيه وبدونه لا يجدي ، ولو سلّم فهو لم يثبت إلّا من باب
القاعدة القابلة للتخصيص ، والروايات المتقدّمة تنهض مخصّصة لها ، هذا مضافا إلى
ما في حسنة الحلبي المتقدّمة [٣] من الظنّ المأمور معه بالنضح الّذي لا يكفي في رفع
النجاسة ، ومثله ما في رواية زرارة المنهيّ معه عن إعادة الصلاة ، فإنّ « الظنّ »
إن لم يكن ظاهرا في معناه المعهود فلا أقلّ من كونه شاملا له ، ومثله الشكّ الوارد
في رواية ابن الحجّاج [٤] بقرينة تقدّم الحسبان في كلام السائل ، مع شيوع إطلاق
هذا اللفظ في الروايات على مطلق الاحتمال ، وعلى هذا القياس لفظ « الرأي » الوارد
في رواية عبد الله بن سنان [٥] المحكوم معه بالنضح ، مضافا إلى سائر الروايات الشاملة
بإطلاقها لصورة الظنّ أو الظاهرة فيها ، ولا ريب أنّ ما ذكر في الاحتجاج لا يصلح
معارضا لشيء من ذلك.
وعن الثاني :
بأنّ العقل ممّا لا مدخل له في التعبّديّات ، والعبرة في الراجحيّة والمرجوحيّة
بالقياس إليها إنّما هو بما اعتبره الشارع ، ولا اعتداد فيها بالترجيح العقلي ،
فحيث إنّ الشارع حكم بالطهارة ، ما لم يحصل العلم بنقيضها كشف عن كون الراجح في
نظره مع عدم العلم هو الطهارة ، فنحن أنّما نأخذ بها لا بعنوان أنّه مرجوح في نظر
العقل لئلّا يكون جائزا ، بل بعنوان أنّه راجح في نظر الشارع ، بل المتّجه حينئذ
المنع عن قضاء العقل بالمرجوحيّة بعد ما لاحظ ترجيح الشارع للطهارة.
وبالجملة : المرجوحيّة
لو اريد بها ما هو بحسب اعتقاد المكلّف فنمنع حكم العقل