نام کتاب : نظام الحكومة النبوية نویسنده : الكتاني، عبد الحي جلد : 1 صفحه : 173
بأفهامهم، فهم أعلم الناس بكتاب اللّه و بتأويله، و افهمهم بما في القرآن من اشارات و افصاح، و إن كان ذلك عن رأي و اجتهاد، فقد علم ذلك قبل أن يكونوا، و أشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل: فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم، أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، و ليس هاهنا إضافة في المعنى، إلا إلى هذا التاريخ المعلوم، لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ، أو قرينة حال. فتدبره ففيه معتبر لمن ادّكر، و علم لمن رأى بعين فؤاده و استبصر و الحمد اللّه ا ه.
و قد نقل كلامه ملخصا الحافظ في الفتح و قال عقبه: كذا قال: و المتبادر أن معنى قوله: من أول يوم، أي دخل النبي (صلى الله عليه و سلم) و أصحابه المدينة ا ه و قال ابن المنير: كلام السهيلي كلام تكلف و تعسف و خروج عن تقدير الأقدمين فإنهم قدروه من تأسيس أول يوم كأنه قيل: من أول يوم وقع فيه التأسيس، و هذا تأسيس تقتضيه العربية و تشهد له الآية ا ه.
قلت: كلام السهيلي ظاهر المأخذ، جلي الاستنتاج و الذين استبشعوه كأنهم لم يذوقوه، فتأمله بإنصاف، ترى الحق مع ما أملاه الأعمى لا ما كتبه البصراء [1]، و لذا اقتصر عليه معجبا به المولى شهاب الملة و الدين الخفاجي في عناية الراضي و كفاية القاضي فانظرها فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا [الإسراء: 84].
و اختيرت الهجرة للابتداء بها دون وقت الولادة و البعثة، لاختلافهم فيها دونها، و وقت الوفاة و إن شارك الهجرة في الاتفاق، لا يحسن الابتداء بها عقلا لما ينشأ عنه من تهيج الحزن و الأسف بخلاف وقت الهجرة، فإنه يتبرك به لكونه وقت استقامة ملة الإسلام، و اختير لافتتاح السنة المحرم دون غيره لكونه شهر اللّه، و أحد الأشهر الحرم، و فيه تنصرف الناس من الحج.
باب في الرسول (السفير) و فيه فصول فصل في صفات رسله (عليه السلام) من وفور العقل و طلاقة اللسان و قوة الحجة المقنعة للخصم
قال السهيلي في الروض ص 355 من الجزء الثاني: لما قدم دحية على قيصر قال:
يا قيصر أرسلني من هو خير منك، و الذي أرسله هو خير منه و منك، فاسمع بذل ثم أجب بنصح. فإنك إن لم تذلل لم تفهم، و إن لم تنصح لم تنصف. قال: هات قال: هل تعلم أ كان المسيح يصلي قال: نعم قال: فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له، و أدعوك إلى من دبّر خلق السموات و الأرض، و المسيح في بطن أمه، و أدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى، و بشر به عيسى ابن مريم بعده، و عندك من ذلك أثارة من علم، تكفي
[1] هنا إشارة لكون الإمام السهيلي (رحمه الله) كان مكفوف البصر.
نام کتاب : نظام الحكومة النبوية نویسنده : الكتاني، عبد الحي جلد : 1 صفحه : 173