لقد وطئ الحسنان، و شقّ عطفاي [54] ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم [55] .
فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت أخرى، و قسط آخرون [56]
كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول تِلْكَ اَلدََّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهََا لِلَّذِينَ لاََ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لاََ فَسََاداً وَ اَلْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بلى!و الله لقد سمعوها و وعوها، و لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم [57] و راقهم زبرجها، أما و الّذي فلق الحبّة، و برأ النّسمة [58] لو لا حضور الحاضر [59] و قيام الحجّة بوجود النّاصر، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، و لا سغب مظلوم [60] ، لألقيت حبلها على غاربها
61
، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز
62
.
قالوا: و قام إليه رجل من أهل السواد
63
عند بلوغه إلى هذا الموضع من
[54] الحسنان: ولداه الحسن و الحسين. و شقّ عطفاه: خدش جانباه من الاصطكاك. و في رواية:
(شقّ عطافي) ، و العطاف: الرداء. و كان هذا الازدحام لأجل البيعة على الخلافة.
[55] ربيضة الغنم: الطائفة الرابضة من الغنم، يصف ازدحامهم حوله و جثومهم بين يديه.
[56] الناكثة: أصحاب الجمل. و المارقة: أصحاب النهروان. و القاسطون-أي الجائرون-:
أصحاب صفّين.
[57] حليت الدنيا: من حليت المرأة إذا تزيّنت بحليها. و الزبرج: الزينة من وشي أو جوهر.
[59] من حضر لبيعته، و لزوم البيعة لذمة الإمام بحضوره.
[60] و الناصر: الجيش الّذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة.
و الكظة: ما يعتري الآكل من امتلاء البطن بالطعام، و المراد استئثار الظالم بالحقوق. و السغب:
شدة الجوع، و المراد منه هضم حقوقه.
[61] الغارب: الكاهل، و الكلام تمثيل للترك و إرسال الأمر.
[62] عفطة العنز: ما تنثره من أنفها، تقول: عفطت تعفط من باب ضرب، غير أنّ أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة. و الأشهر في العنز النفطة بالنون، يقال: ما له عافط و لا نافط، أي نعجة و لا عنز. كما يقال: ماله ثاغية و لا راغية. و العفطة: الحبقة أيضا، لكنّ الأليق بكلام أمير المؤمنين هو ما تقدم.
[63] السواد: العراق، و سمّي سوادا لخضرته بالزرع و الأشجار، و العرب تسمّي الأخضر