دماءكم دوني، فلا يبعد اللّه من ظلم. يا أهل الكوفة أعظكم فلا تتعظون و أوقظكم فلا تستيقظون، إن من فاز بكم فقد فاز بالخيبة و من رمى بكم فقد رمى بافوق ناضل، أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا يوما أناديكم و يوما أناجيكم، فلا أحرار عند النداء و لا ثبة عند المصائب، فيا للّه ما ذا منيت به منكم، لقد منيت بصم لا يسمعون و كمه لا يبصرون و بهم لا يعقلون، أما و اللّه لو أني حين أمرتكم بأمري حملتكم على المكروه مني فإذا استقمتم هديتم و إن أبيتم بدأت بكم و لكانت الزلفى، و لكني تراخيت لكم و توانيت عنكم و تماديتم في غفلتكم فكنت أنا و أنتم كما قال الأول:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * * * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
اللهم إن دجلة و الفرات نهران أصمان أبكمان، فأرسل عليهم ماء بحرك و انزع منهم ماء نصرك، حبذا إخواني الصالحون ان دعوا إلى الإسلام قبلوه، و قرءوا القرآن فأحكموه و ندبوا إلى الجهاد فطلبوه، فحقيق لهم الثناء الحسن وا شوقاه إلى تلك الوجوه.
ثم ذرفت عيناه و نزل عن المنبر و قال: إنا للّه و إنا إليه راجعون إلى ما صرت إليه، صرت إلى قوم إن أمرتهم خالفوني و ان اتبعتهم تفرقوا عني، جعل اللّه لي منهم فرجا عاجلا.
ثم دخل منزله فجاءه رجل من أصحابه فقال له: يا أمير المؤمنين إن الناس قد ندموا على تثبطهم و قعودهم و علموا أن الحظ إجابتك لهم فعاودهم في الخطبة.
فلما أصبح من غد دخل المسجد الأعظم و نودي بالناس فاجتمعوا، فلما أن غص المسجد من الناس صعد المنبر و خطب هذه الخطبة، فقال: أما بعد، حمدا للّه (تعالى) أيها الناس، أ لا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت و إلى بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد جم و شوكة شديدة، فما بالكم اليوم للّه أبوكم من أين تؤتون و من أين تسحرون و أنّى تؤفكون؟. انتبهوا رحمكم اللّه و تحركوا لحرب عدوكم فقد ابدت الرغوة عن الصريح لذي عينين و قد أضاء