نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 194
نفسي عالم بما في نفسك للمثل الذي عندي من ذلك و لا خير لي في صحبتك، فإنّك لن تتذكّر صنيعي بابنك و لن أتذكّر صنيع ابنك بابني إلاّ أحدث ذلك لقلوبنا تغييرا، قال الملك: لا خير في من لا يستطيع الإعراض عمّا في نفسه حتّى ينساه و يهمله فلا يذكر منه شيئا و لا يكون له في نفسه موقع. قال فنزة: إنّ الرّجل الذي في باطن قدمه قرحة إن هو حرص على المشي لا بدّ أن تنكأ [1] قرحته، و الرّجل الأرمد العين إذا استقبل بها الرّيح تعرّض لأن تزداد رمدا، و كذلك الواتر إذا دنا من الموتور فقد عرّض نفسه للهلاك. و لا ينبغي لصاحب الدّنيا إلاّ توقّي المهالك و المتالف و تقدير الأمور و قلّة الاتّكال على الحول [2] و القوّة و قلّة الاغترار بمن لا يأمن.
فإنّه من اتّكل على قوّته فحمله ذلك على أن يسلك الطّريق المخوف قد سعى في حتف [3] نفسه، و من لا يقدّر لطاقته طعامه و شرابه و حمّل نفسه ما لا تطيق و لا تحمل فقد قتل نفسه، و من لم يقدّر لقمته و عظّمها فوق ما يسع فوه [4] فربّما غصّ بها فمات، و من اغترّ بكلام عدوّه و انخدع له و ضيّع الحزم فهو أعدى [5] لنفسه من عدوّه، و ليس لأحد النظر في القدر الذي لا يدري ما يأتيه منه و لا ما يصرف عنه و لكن عليه العمل بالحزم و الأخذ بالقوّة و محاسبة نفسه في ذلك. و العاقل لا يثق بأحد ما استطاع و لا يقيم على خوف و هو يجد عنه مذهبا [6] و أنا كثير المذاهب و أرجو أن لا أذهب وجها إلاّ أصبت فيه ما يغنيني.
فإنّ خلالا خمسا من تزوّدهنّ كفينه في كلّ وجه و آنسنه في كلّ غربة و قرّبن له البعيد و أكسبنه المعاش و الإخوان. أولاهنّ: كفّ الأذى. و الثّانية: حسن الأدب.
[1] تنكأ قرحته: أي تقشر قبل أن تبرأ. و القرحة ما يخرج بالبدن كالدمل.