وأخضعته للديالكتيك الذي هو ـ في زعمها ـ قانون الفكر والعالم الخارجي معاً ، فافترضت أنّ المجتمع يتطوّر ويتحرّك طبقاً للتناقضات الطبقية المحتواة في داخله ، ويتّخذ في كلّ دور من أدوار التطوّر شكلاً اجتماعياً جديداً ، ينسجم مع الوجود الطبقي الغالب في المجتمع ، ويبدأ الصراع بعد ذلك من جديد على أساس التناقضات المحتواة في ذلك الشكل .
وترتيباً على ذلك استنتجت الماركسية أنّ المحتوى التحليلي للمجتمع الرأسمالي هو : الصراع بين التناقضات التي ينطوي عليها بين الطبقة العاملة من ناحية ، والطبقة الرأسمالية من ناحية أخرى . وإنّ هذا الصراع يمدّ المجتمع بالحركة التطوّرية التي سوف تحلّ التناقض الرأسمالي حين تسلّم القيادة إلى الطبقة العاملة المتمثّلة في الحزب القائم على أساس المادّية الديالكتيكية ، والذي يستطيع أن يتبنّى مصالحها بأسلوب علمي رصين .
ونحن لا نريد ـ الآن ـ أن نناقش الماركسية في تفسيرها الديالكتي للمجتمع وتطوّراته ، هذا التفسير الذي ينهار طبيعياً بنقد الديالكتيك كمنطق عام وتزييفه ، كما حقّقناه في دراستنا هذه ؛ فإنّ المادّية التاريخية سوف نخصّها بدراسة نقدية مفصّلة في كتاب مجتمعنا أو اقتصادنا [1] . وإنّما نرمي ـ الآن ـ إلى توضيح نقطة مهمّة في هذا التطبيق الاجتماعي للديالكتيك ، يمسّ المنطق الديالكتي نفسه بصورة عامة ، وهذه النقطة هي : أنّ التطبيق الاجتماعي والسياسي للديالكتيك على النحو الذي تقوم به الماركسية ، يؤدّي إلى نقض الديالكتيك رأساً ؛ فإنّ الحركة التطوّرية للمجتمع إذا كانت تستمدّ وقودها الضروري من الصراع الطبقي
[1] وقد صدر كتاب (اقتصادنا) وهو يستوعب أوسع دراسة للمادّية التاريخية في ضوء الأسس الفلسفية وفي ضوء المجرى العام لتاريخ الإنسانية في واقع الحياة . (المؤلّف قُدِّسَ سِرُّه)