وهذا لون جديد يتّخذه الماركسيون للردّ على المثالية ، فـ (جورج) لا يستند في هذا النصّ إلى حقائق علمية ، وإنّما يركّز استدلاله على حقائق وجدانية ، نظراً إلى أنّ كلّ واحد منّا يشعر بوجدانه أنّه لا يتمنّى كثيراً من الحوادث التي تحدث ، ولا يرغب في وجودها ، ومع ذلك هي تحدث وتوجد خلافاً لرغبته ، فلا بدّ ـ إذن ـ أن يكون للحوادث وتسلسلها المطّرد واقع موضوعي مستقلّ . وليست هذه المحاولة الجديدة بأدنى إلى التوفيق من المحاولات السابقة ؛ لأنّ المفهوم المثالي ـ الذي ترجع فيه الأشياء جميعاً إلى مشاعر وإدراكات ـ لا يزعم أنّ هذه المشاعر والإدراكات تنبثق عن اختيار الناس وإرادتهم المطلقة ، ولا تتحكّم فيها قوانين ومبادئ عامّة ، بل المثالية والواقعية متّفقتان على أنّ العالم يسير طبقاً لقوانين ومبادئ تجري عليه وتتحكّم فيه ، وإنّما يختلفان في تفسير هذا العالم واعتباره ذاتياً موضوعياً .
والنتيجة التي تؤكّد عليها مرّة أخرى هي : أنّ من غير الممكن إعطاء مفهوم صحيح للفلسفة الواقعية ، والاعتقاد بواقعية الحسّ والتجربة إلاّ على أساس المذهب العقلي القائل بوجود مبادئ عقلية ضرورية مستقلّة عن التجربة . وأمّا إذا بدأنا البحث في مسألة المثالية والواقعية من التجربة أو الحسّ ـ اللذين هما مورد النزاع الفلسفي بين المثاليين والواقعيين ـ ، فسوف ندور في حلقة مفرغة ، ولا يمكن أن نخرج منها بنتيجة في صالح الواقعية الفلسفية [2] .