إلا أن ذلك لا يضيع معالم الحق بعد أن تسالم الجميع على أن المرجع في الدين هو الكتاب المجيد المحفوظ بين الدفتين المنتشر بين المسلمين، والسنة الشريفة المحفوظة في الصدور والمسطورة في الزبر.
موقف مالك بن أنس صاحب المذهب
ويبدو أن مالك بن أنس صاحب المذهب قد أدرك ذلك. فعن محمد بن عمر: "سمعت مالك بن أنس يقول: لما حجّ المنصور دعاني، فدخلت عليه فحادثته، وسألني فأجبته. فقال: عزمت أن آمر بكتبك هذه ـ يعني الموطأ ـ فتنسخ نسَخ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيه، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث. فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.
قلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سيقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم. وإن ردهم عما اعتقدوه شديد. فدع الناس وما هم عليه، وما اختار كل بلد لأنفسهم. فقال: لعمري لو طاوعتني لأمرت بذلك" [1] .
وعن ابن مسكين ومحمد بن مسلمة قالا: "سمعنا مالكاً يذكر دخوله على المنصور، وقوله في انتساخ كتبه وحمل الناس عليه، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، وردّ العامة عن مثل هذا عسير" [2] .
[1] سير أعلام النبلاء ج:8 ص:78ـ79 في ترجمة مالك الإمام، واللفظ له. جامع بيان العلم وفضله ج:1 ص:132. الانتقاء من فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص:41. المنتخب من ذيل المذيل ص:144 القول في تاريخ التابعين والخالفين والسلف الماضين من العلماء ونقلة الآثار: ذكر من هلك منهم في سنة 161 من الهجرة.
[2] سير أعلام النبلاء ج:8 ص:79 في ترجمة مالك الإمام، واللفظ له. الانتقاء من فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص:41.