نقدّم اليوم إلى القراء الأفاضل، و روّاد العلم و الفضيلة، سفرا عظيما ضمّ بين دفتيه النصوص على الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، حسب منهجنا المعتمد في استدراك ما فات عن المؤلف، مستقصين لما في المصادر و الجوامع الكبيرة الحاضرة، مخطوطة كانت أو مطبوعة.
و لا بدّ لنا هنا من وقفة نسجّل فيها شكرنا و اعتزازنا بجهود العلم الحجة السيّد حسن آل طه، حيث قام مشكورا باشارة من شيخه الاستاذ آية اللّه فقيه أهل البيت الشيخ مرتضى نجل آية اللّه العظمى مؤسس الحوزة العلمية و زعيمها في قم المقدّسة سماحة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي المهرجردي الميبدي- طاب ثراهما القدسي- بجمع النصوص على الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) من طرق الخاصة و العامة، فجدّ جدّه، و أتعب نفسه خلال مدة تقرب من عشر سنوات، كان خاتمتها عرض نتاجه الثمين علينا، لرؤيا رأى فيها شيخه الفقيد و هو يسأله عن حال الكتاب- بما كان حريصا على نشره- مخاطبا إيّاه بأنّك لا تتمكن من طبعه بمثل هذا، مشيرا إلى كتاب جواهر الكلام في الفقه.
و لا بدّ لنا أيضا، و قد مررنا بذكر آية اللّه شيخنا المرتضى الحائري، أن نعرض صورا من سيرته القدسية الجليلة، و نزرا يسيرا من كراماته النبيلة، بما يناسب عنوان الكتاب.
فمنها: ما وجدته في بعض مخطوطات. مذكراته قال ما ترجمته مختصرا: رنّ جرس الهاتف في منتصف إحدى الليالي، فقلت في نفسي: لا بدّ أنّ مسلما له حاجة ملحّة يلتمس قضاءها، في هذا الوقت، فأسرعت في ارتقاء السلّم الموصل إلى غرفة الهاتف، فسقطت و أحسست بألم شديد في يدي تبيّن فيما بعد أنّها كسرت.
ثمّ قال: شاهدت في اليقظة أني البست اثني عشر قميصا طبيّا بعدد الأئمة الاثنى عشر، ثمّ خلعت منّي، و هذه العناية كانت بواسطة حضرة السيّد الكريم مولانا عبد العظيم الحسني، تولّى ذلك من ناحية الأئمة الاثنى عشر، أو المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام).
ثمّ قال: «على هذا أكون أنا من ناقلي إمامة الأئمة الاثنى عشر بلا واسطة».
و أما الحديث عن سيرة والده المعظّم، فممتع و ذو شجون، نكتفي بقبس منها:
فحياته (قدس سره) سايرتها الكرامات منذ بدء تكوّنه، فقد كانت ولادته بكرامة غريبة، و موهبة إلهية، حيث قرّت عين أبيه به، و استجيبت دعوته بعد ما بلغ من الكبر عتيّا. و مدّ عمره الشريف، كان بكرامة و دعاء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام)، حينما مرض مرضا شديدا حتى يئس منه، و بلغ مرحلة الاحتضار، و جاءه ملك الموت، فتوجّه إلى حضرة سيّد الشهداء (عليه السلام) قائلا: «يا أبا عبد اللّه أعلم إنّ الموت حق، و لكن يديّ صفر من الزاد ليوم المعاد، ألتمس منك الدعاء لتمديد عمري، إلى أن أستعدّ لمقرّي و أعدّ له عدّة» فجاء ملك آخر، و قال للأول: «ارفع يدك عنه فقد مدّ في عمره بدعوة أبي عبد اللّه الحسين».
فكان من هذه العدّة تأسيسه الحوزة العلمية المركزية الكبرى في مدينة قم المقدّسة، حرم أهل البيت، و عشّ آل محمّد، و هي بذاتها أمنية عظيمة و موعودة في آخر الزمان، عند افول شمس العلم من كوفان، و بزوغ فجره في هذه المدينة المقدّسة.
فعلى هذا تكون هذه الحوزة حسينية المنشأ، و البقاء باذن ربها.
مثلها كمثل شجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها.
كشجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية، يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء. أو كماء أنزل من السماء فاختلط به نبات الأرض ...
فأما الزبد فيذهب جفاء، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
و كان لها يوم مشهود، يوم الفتنة العمياء الكبرى، يوم الهجوم العام على نواميس الاسلام و البلاد و الحوزات العلمية الولائية، حيث أصبحت مهبط و مأوى و محط رحال كبار العلماء و المراجع و الشخصيات العلمية المبعدين عن النجف الأشرف، و من نزل معهم من مختلف الأصقاع، و في مقدمتهم سماحة آية اللّه العظمى السيّد أبي الحسن الأصفهاني المرجع الأعلى للشيعة.
و من تلك العدّة أيضا ما تشهد به قاعات الدرس و أواوين المساجد من دأبه على ذكر مصيبة سيّد الشهداء (عليه السلام) قبل الشروع بالدرس، و كلما وجد إلى ذلك سبيلا، متمثلا:
ثمّ يبدأ درسه الشّيق بحلاوة البيان، و عذوبة الكلام، و ما ذاك إلّا من عنايات أبي عبد اللّه (عليه السلام)، عند ما ناوله كفّ سكّر في المنام.
و والد و ما ولد، لقد كانت تسميته ولديه الفريدين ب «المرتضى» و «المهدي» كلمة باقية في عقبه، و رمزا لحديث: أول الأئمة الاثنى عشر: علي، و آخرهم: المهدي.
و بما أنّه (قدس سره) كان نموذجا علميا كبيرا، و ذخيرة ولائية ربانية، فقد تمثّل في مفاخر تلامذته الذين أورثهم العلوم و الزعامة، فتحمّلوا عنه، و أدّوا الأمانة، و هم أكابر أساتذتنا أدام اللّه ظلالهم و تأييداتهم، أصبحوا مراجع علمية، دينية، عالمية، كبرى، و قد سبقهم مجدّد الحوزات العلمية، و محيي آثار الشريعة زعيم الشيعة، و مرجع الطائفة استاذنا الأكبر آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي طاب ثراه.
فسلام عليه يوم ولد، و يوم مضى شهيدا، و يوم يبعث حيّا مباهيا أنّه جاهد في اللّه حق جهاده، مؤسسا للحوزة العلمية في مدينة من اكبر بقاع الأرض المتبركة، في مهد العلم و كعبة الآمال و حرم أهل بيت و علومهم، و مأوى شيعتهم في عصر غائبهم الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه الشريف).
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه الذي جعل الأئمّة النقباء بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) اثنا عشر إماما-: أوّلهم علي (عليه السلام)، و أحد عشر من ولده و ولد الزهراء بضعة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله): الحسن، الحسين، علي، محمد، جعفر، موسى، علي، محمد، علي، الحسن، و آخرهم المهدي- عجّل اللّه فرجهم الشريف بظهوره- كما جعل الأسباط اثنا عشر، و العيون التي تفجرت لموسى اثنا عشر، و البروج اثنا عشر، و الشهور اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه.
أمّا بعد، فلا يختلف اثنان في أنّ الإمامة- و لا سيما القدسية الإلهية منها- ضرورة حياتية يفرضها التسلسل القيادي لبني البشر، إذ لا يمكن ترك الأمّة في حيرة و ضلالة، بلا راع يرعاها و يرعى مصالحها.
و مما لا يقبله العقل و الوجدان السليم أن يفوّض اللّه و رسوله الأمر إلى الأمّة و أهوائها، و عقول أفرادها متناقضة متباينة ضعيفة.
و لا ريب في أنّ جعل الإمامة الإلهية في القرآن العظيم كان من اللّه تبارك و تعالى للرسل و الأنبياء و أوصيائهم، و مصداقه قوله سبحانه في خطابه لإبراهيم: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً»[1].
و في سياق كلامه عنه و عن إسحاق و يعقوب (عليهم السلام): «وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا»[2].
و في الأئمة الاثنى عشر من بني إسرائيل- أوصياء موسى-: «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا»[3].
هؤلاء الرسل و الأنبياء و الأوصياء الذين آتاهم اللّه رشدهم و آتاهم من لدنه علما و حكما، و علّمهم- بالوحي- ما لم يعلموا.
و من الجدير بالذكر أنّه لم يبعث اللّه سبحانه نبيّا إلّا جعل له وصيّا، و أمره أن