نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك، محمد جلد : 1 صفحه : 46
و من هذه الإشارات ترون القرن الرابع تميز بمزايا ثلاث: النقد الادبي و الجدل العقلي، و النثر الفني، و هي مزايا كانت تفترق ما شاء لها الزمن الجائر، فيرى بعضها في الشام، و بعضها في مصر، و بعضها في الاندلس، و لكنها كانت تجتمع في بغداد، و كانت بغداد وطن الشريف كما تعلمون.
و صورة بغداد في القرن الرابع تتمثل في قول الصاحب بن عباد في خطابه إلى ابن العميد: «بغداد في البلاد، كالاستاذ في العباد» و تتمثل ايضا في الجزع على فراقها، الجزع الذي أحسه أبو العلاء و أبو العلاء كما تعرفون كان يرى الدنيا بأذنيه لا بعينيه، فلما قدم بغداد رأت أذناه ما لم تريا من قبل، و صارت المجالس و المساجد هي الزهر و الماء في إحساس ذلك الأديب الفيلسوف.
و من ثقافة القرن الرابع و معارف بغداد تكونت عقلية أبي العلاء الذي دان الأدب برسالة الغفران و بقصائده اللزوميات.
و قد شاءت الظروف أن يعيش الشريف الرضي في القرن الرابع، و بعقل القرن الرابع، و شاءت الظروف أيضا أن يكون من أسرة لها في العلم و الأدب ماض جميل، بل و شاءت الظروف أن يكون له أخ من الأئمة في العلوم العقلية و النقلية، ثم قضت بأن يكون الشريف الرضي نقيب الاشراف في زمن لم يكن فيه للاشراف عرش و لا تاج، و إنما كان لهم مجد العلم و الادب و البيان.
و قد وفي الشريف الرضي لعصره و اسرته أصدق الوفاء، فأقبل على الحياة العلمية و الأدبية إقبال الرجال، و شارك في التأليف مشاركة الفحول، فألف كتاب «حقائق التأويل في متشابه التنزيل» و كتاب:
«مجازات الآثار النبوية» و كتاب: «تلخيص البيان عن مجازات القرآن»
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك، محمد جلد : 1 صفحه : 46