و لمّا غدونا للوداع و نقّرت # صروف النّوى دون الخليط المجاور [1]
عنيت من القلب العفيف بعاذل، # و من خدع الشّوق السّفيه بعاذر
عشيّة لا عرس الوفاء بمرمل # لدينا، و لا أمّ الصّفاء بعاقر [2]
و من لم ينل أطماعه من حبيبه # رضي، غير راض، بالخيال المزاور
و كنت أذود الدّمع إلاّ أقلّه # لسقيا حمى من بعد بينك داثر
و إنّي لا أرضى، إذا ما تحمّلت # إليه مرابيع السّحاب المواطر
كليني إلى ليل، كأنّ نجومه # تغازل طرفي عن عيون الجآذر [3]
أمرّ بدار منك مشجوجة الثّرى # بمجرى نسيم الآنسات الغرائر [4]
تمرّ عليها الرّيح، و هي كأنّها # تلفّت في أعطاف تلك المقاصر
و يشهق فيها بالأصائل و الضّحى # حيا كلّ عرّاص الشّآبيب ماطر [5]
و يستنّ فيها البرق حتّى تخاله # يفيض بفيض القطر في كلّ حاجر
و لمّا رأيت اللّيل مسترق الخطى، # و أطرافه تجلو وجوه التّباشر [6]
أرقت لأجفان الرّكائب هبّة # بألحاظ جوّال العزائم ساهر
رسيما به يعتلّ بالأعين الكرى، # و ينشقّ عن مكنونه كلّ ناظر [7]
بيهماء يستغوي الحداة سرابها # على ظما بين الجوانح ثائر [8]
[1] نقرت: نبهت.
[2] مرمل: نافد. أي أنهم يحافظون على الوفاء فلا ينفد و لا ينضب، كما يحافظون على صفاء المودّة.
[3] الجآذر، جمع جؤذر: غزال.
[4] مشجوجة: ممزوجة-الغرائر: الفتيات.
[5] الحيا: المطر-العرّاص: السحاب ذو البرق و الرعد-الشآبيب، جمع شؤبوب: دفعة المطر.
[6] التباشر: أوائل الصباح.
[7] الرسيم: ضرب من سير الابل-يعتل: يتعلل.
[8] اليهماء: الفلاة لا ماء فيها-الجوانح: الاحشاء.