ما سرت حتّى سار نعتك أوّلا، # فسريت تتبعه، و همّك آخر
نفثت لك الأمطار في عقد الرّبى، # فقصدتها، إنّ الغمام لساحر
ذلّل ركابك أين سرت كأنّما # وصّى المطيّ بك الجديل و داعر [1]
ما ضرّ من شرب الحمام تكرّها # بظباك في روع، و أنت تعاقر
قضب الأعادي لا ترومي ضربه # أبدا، فأنت لما يخدّ مسابر [2]
سايرت أزماني، فلم أبلغ مدى، # حتّى استقلّ بي الثّناء السّائر
و صحبت أيّام الهوى فرأيتها # سرحا حمته عواذل و عواذر
و رأيت أكبر ما رأيت متيّما # متنازعاه آمر، أو زاجر
فندمت بعد الحبّ كيف أطيعه، # و عصيت عزماتي، و هنّ أوامر
أبكي على الأيّام و هي ضواحك # في وجه غيري و هو فيها حائر
لو شاب طرف شاب أسود ناظري، # من طول ما أنا في الحوادث ناظر
أو أنّ هذي الشّمس تصبغ لمّة، # صبغت شواتي طول ما أنا حاسر [3]
أو كان يأنس بالأنيس أوابد # يوما، لزمّ لي النّعام النّافر [4]
ما المجد إلاّ في السّرى، و الحمد إ # لا في القرى، و المستغرّ الخاسر [5]
و غدا أمشّي العيس بين حطيطة # و وديقة لم يغن فيها ماطر [6]
تندى مناسمها دما، و شفاهها # تندى لغاما، و الخفاف مشافر [7]
[1] الجديل: اسم فحل للنعمان-داعر: اسم فحل تنسب إليه الإبل.
[2] يخدّ: يشق-مسابر، من سبر الجرح: تفحّصه ليعرف مدى عمقه.
[3] اللمّة: الشّعر المجاوز شحمة الأذن-شواتي: جلدة رأسي-حاسر:
كاشف عن الرأس.
[4] الأوابد: الوحوش-زمّ: تقدّم في السير.
[5] السرى: السير ليلا، اقتحام الظلمة و المجهول-المستغر: المخدوع.
[6] الحطيطة و الوديقة: موضعان.
[7] اللغام: الزبد من الفم.