أصابت سهام الحادثات قلوبها، # فكم أعقبت روعا يروع العواقبا
لقد وعدتنا، إذ رغبنا رغايبا، # فلمّا أصبن الظّنّ أعطت مصائبا
و أرضعن أفواه المطامع فجعة، # فطمن بها عند النّجاح المطالبا
بمفقودة ينهلّ ماء مصابها # دموعا على خدّ الزّمان سواكبا
إذا قعدت أحزانها في قلوبنا، # أقمنا على الصّبر الشّفاه نوادبا
صبرنا فغصّصنا الزّمان بريقه، # على أنّ للأيّام فينا مضاربا
و لم نطرح الأسلاب يوما لنكبة، # و إن جذب المقدار منّا المجاذبا [1]
ألا إنّ هذا الثّاكل الحسب الّذي # به ثكل المجد التّليد المناقبا
رمى في يمين الدّهر درّة سؤدد، # فأحج بها يحنو عليها الرّواجبا [2]
و قد شنّ فيها حادث الموت غارة، # ثنتنا و لم تطلع إلينا كتائبا
فلا تحسبن رزء الصّغائر هيّنا، # فإنّ وجى الأخفاف ينضي الغواربا [3]
سقى اللّه حصباء الثّرى كلّ ليلة # سحائب ينزعن الرّياح الحواصبا
جنادل من قبر كأنّ صدورها، # حباه الحيا دون القبور، محاربا [4]
أقامت به حتّى لودّت عيوننا، # و لم تبق دمعا أن يكون سحائبا
تراب يرى أنّ النّجوم ترابه، # و يحسب أحجار الصّفيح الكواكبا
و سيف نضي من جفنه، غير أنّه # رضي لحده من غمده الدّهر صاحبا
يغطّي الثّرى عنّا وجوها مضيئة، # كما كفر الغيم النّجوم الثّواقبا [5]
و رزء رمى صدر الأماني بيأسها، # و كنّ إلى ورد المعالي قواربا [6]
[1] المقدار: المقدر.
[2] أحج: فعل تعجب، أي أخلق-يحنو: يلوي-الرواجب: مفاصل أصول الأصابع.
[3] الوجى: الحفا-الغوارب، جمع غارب: ما بين العنق و السنام.
[4] جنادل: حجارة، صخور-الحيا: المطر.
[5] كفر: غطّى-النجوم الثواقب: النجوم المشعّة.
[6] رزء: مصاب-قوارب، جمع قارب: طالب الماء.