بالإيمان، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان؛ إما أن لا يكون هناك تكليف جدي، إن لم يكن هناك إرادة؛ حيث إنه لا يكون حينئذ طلب حقيقي، و اعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي، و إن كان هناك إرادة فكيف تتخلف عن المراد؟ و لا تكاد تتخلف إذا أراد الله شيئا يقول له: كن فيكون.
و أما الدفع (1) فهو: أن استحالة التخلف إنما تكون في الإرادة التكوينية و هي العلم
الثاني: أن التكليف الحقيقي يعتبر فيه الطلب الحقيقي، و نظرا إلى اتحاد الطلب الحقيقي مع الإرادة الحقيقية تعتبر فيه الإرادة الحقيقية أيضا، و لازم ذلك: اعتبار الإرادة الحقيقية في التكليف الحقيقي.
الثالث: أنّنا نعلم بالضرورة من الدين: بأن الكفار و أهل العصيان مكلفون بما كلف به أهل الإطاعة و الإيمان.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: أنه بناء على اتحاد الطلب و الإرادة و عينيتهما يلزم أحد المحذورين في باب تكليف الكفار بالإيمان، و العصاة بالعمل بالأركان:
الأول: كون التكليف صوريا إذا لم يكن هناك إرادة.
و الثاني: تخلف المراد عن الإرادة إذا كان التكليف حقيقيا و جديّا، و كلاهما باطل، فالقول باتحادهما أيضا باطل.
أما بطلان الأول: فلكونه خلاف الإجماع القائم على أن الكفار و العصاة معاقبون على الكفر و العصيان، فلا محيص عن كونهم مكلفين بالتكليف الحقيقي و هو خلف.
أما بطلان الثاني:- و هو كون التكليف حقيقيا و جديّا- فلاستلزامه تخلّف المراد عن الإرادة، إذ المفروض: كون الطلب الحقيقي عين الإرادة الحقيقية، فإنه تعالى أراد منهم الإيمان و العمل بالفروع، فلم يؤمنوا و لم يعملوا، فيلزم التخلّف و هو مستحيل لقوله تعالى: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[1]، فلا محيص حينئذ عن تغاير الطلب و الإرادة، و الالتزام بوجود الطلب الحقيقي في تكليف الكفار و العصاة؛ دون الإرادة الحقيقية، فيكون تكليفهم حقيقيا لا صوريا؛ و ذلك يكشف عن وجود صفة أخرى له تعالى سوى الإرادة حتى تكون تلك الصفة منشأ لأوامره اللفظية، و تسمى بالطلب الحقيقي. و من هنا يعلم تغاير الطلب الحقيقي و الإرادة الحقيقية.
[دفع إشكال تخلف المراد عن الإرادة]
(1) توضيح الدفع يتوقف على مقدمة و هي: أن للّه تعالى إرادتين: إرادة تكوينية، و إرادة تشريعية.