والذي أختاره من رأي في هذه المسألة ، هو اتخاذ الأساس الثاني ، أي أساس الدعوة في رسم الخريطة السياسيّة للعالم ، بالنظر إلى الأحكام المتقدّمة وغيرها ، فليس من الصحيح أن نجعل العامل السياسي أساساً لتصنيف العالم بالنظر إلى الأحكام المتقدّمة ؛ ففي مسألة اللحوم والجلود ، لا إشكال أنَّ لها علاقة بوجود كثرة كميّة مسلمة في البلد ، وليس لها علاقة بمسألة السيادة السياسية .
وكذلك الأمر في مسألة ( الالتقاط ) ؛ فإنّها ذات علاقة بوجود كثرة كميّة مسلمة في البلد ، ولا علاقة لها بالمسألة السياسية ، وكذلك الأمر في مسألة الهجرة ، وقد أرجع صاحب الجواهر ( رحمه الله ) ملاك وجوب الهجرة إلى دار الإسلام ، إلى غلبة الكفر على هذه البلاد ، لا إلى السيادة السياسية للكافر ، فإذا عثرنا ـ مثلاً ـ على طفل صغير في القدس العربيّة لا نحكم بكفره ، رغم أنّ القدس العربية خاضعة لنفوذ إسرائيل العدواني .
وكذلك مسألة الدفاع ؛ فإنّ الدفاع واجب عن دار الإسلام ، وقد ورد في النصوص الإسلامية بعنوان الدفاع عن بيضة الإسلام ، ولا علاقة لهذه المسألة أيضاً بالمسألة السياسية ، فلو تعرَّضت الجزائر ، أو المغرب ، أو تونس لغزو دولة كافرة ، يجب على المسلمين الدفاع عنها بلا كلام ، رغم أنّ هذه البلاد وأمثالها من بلاد المسلمين لا تخضع للنفوذ السياسي الإسلامي ، بالمعنى الدقيق الشرعي لهذه الكلمة .