المقام، بل لعله من باب الميل و الغريزة، أو من باب المصلحة التي تدرك بلا تمعن، و قد تقدم سابقاً توضيح الفرق بين باب العقل العملي، و باب الميل و الغريزة، و باب المصالح و المفاسد.
و ثالثاً: لأن حصول الجزم بمجرد الافتراض لو قطع النظر عن الاشكال الثاني، انما يحصل لمن لا يشك في نشوء الحسن و القبح عن سبب التلقين و التأديب، و يتيقن بكونه فطرياً، و أما من يشك فلا يحصل له مثل هذا الجزم، و من المعلوم ان ذاك الذي لا يشك لا يحتاج الى هذا الاستدلال، فيكون مجرد تنبيه لا استدلال، و لا يقال: انه من باب البرهان الإني و اكتشاف العلة من المعلول، فان هذا انما يعقل فيما لو فرض علة و معلول واقعيان، و علم بالعلة من ناحية العلم بالمعلول لا فيما اذا كانت العلية و المعللية بين علمين قائمين بالنفس، فان العلم المعلول حينئذٍ يستحيل ان يكون كاشفاً عن العلم العلة، فتدبر جيداً.
و أما الكلام في المقام الثالث من حيث موقف المشككين فالتشكيك تارة يكون على اساس الشبهة الاخبارية، و اخرى على اساس المنطق التجريبي، و ثالثة على اساس المنطق البرهاني.
1- أما على اساس الشبهة الاخبارية فيقال هنا كما قيل بالنسبة الى العقل النظري: ان الاخطاء كثيرة، و مع كثرة الاخطاء لا يمكن التعويل على العقل. و قد اجيب عن ذلك مشهورياً بسنخ ما اجيب به مشهورياً عن البيان الثالث لابطال المدعى في المقام السابق، و حاصله ارجاع العقل العملي الى قضية كلية اساسية، و هي حكم العقل بقبح الظلم و حسن العدل، و دعوى ان كل عنوان غير الظلم انما يتصف بالقبح بالعرض انطباق عنوان الظلم عليه، كما ان كل عنوان حسن غير العدل انما يتصف بالحسن كذلك ايضاً، فالخلاف هنا في التطبيق و الصغريات بين العقلاء، و لا خلاف بينهم في الكبرى المدركة بالعقل العملي، كما ان اختلاف حسن الاشياء باختلاف الحالات انما هو في الحسن بالعرض، و اما الحسن بالذات