الثالث: قال في «الفصول»: النسب الجزئيّة- و المراد هيئة الجمل الخبريّة- موضوعة بإزاء النسب الذهنيّة من حيث كشفها عن الواقع و إراءتها له، سواءً طابقته أم لا.
و استدلّ عليه بالتبادر و بأنّ العلم من ذوات الإضافة يحتاج في وجوده إلى المضاف إليه، و حينئذٍ فلو كانت الهيئات في القضايا الخبريّة موضوعة للنسب الجزئيّة الخارجيّة، لا الذهنيّة، لزم أن لا يكون للقضايا الكاذبة معنىً أصلًا؛ لانتفاء النسبة الواقعيّة الخارجيّة فيها، و لزم أن لا يحصل العلم للمخاطَب فيها؛ لامتناع وجود المضاف بدون المضاف إليه [1] انتهى بتوضيح منّا.
أقول: أمّا التبادر فلا أظن أن يعتمد هو (قدس سره) عليه أيضاً مع قطع النظر عن دليله الآخر، بل لا يبعد دعوى التبادر على خلافه.
و أمّا دليله الآخر: فإن قلنا بعموم الموضوع له في الهيئات فالجواب عنه واضح، فإنّ الهيئة- حينئذٍ- دائماً مستعملة في طبيعي النسبة أو مفهوم الاتّحاد و الهُوهُويّة على ما اخترناه إلّا أنّه ينطبق على الأفراد انطباقاً حقيقيّاً بالنسبة إلى الأفراد الخارجيّة، و غير حقيقي في غيرها.
و إن قلنا: بأنّ الموضوع له فيها خاصّ- كما هو الحقّ و قد تقدّم- فنقول: إنّ ما ذكره- من أنّ العلم من ذوات الإضافة التي لا يمكن تحقّقها بدون المضاف إليه- صحيح، لكن لا يجب أن يكون المضاف إليه من الامور الواقعيّة المعلومة بالعرض، بل يكفي في تحقّقه وجود الصورة الذهنيّة التي هي معلومة بالذات؛ و ذلك لأنّه إذا قيل:
«زيدٌ قائم» و نحوه، انتقش في ذهن المخاطب صورة «زيد» و معنى «القائم» و اتّحادهما أو النسبة بينهما، و تسمّى بحضور النفس، و ينتقل بها إلى الخارج، سواءً كانت النسبة ثابتة