و كذا ما ذكره بعض آخر: من أنّه لو كان المجموع موضوعاً لهذا المعنى التصديقي، لزم صدق جميع القضايا و مطابقتها للواقع؛ و ذلك لأنّ هنا مقامات لا ارتباط لأحدها بالآخر: مقام وضع الألفاظ للمعاني المفردة أو التصديقيّة، و مقام الدلالة، و مقام إرادة المعنى من اللّفظ، و مقام أنّه مطابق للواقع أو لا. فمقام مطابقته للواقع و عدمها غير مقام الدلالة، فهو دالّ على هذا المعنى طابق الواقع أو لا، و لا ملازمة بين الدلالة و المطابقة للواقع، فإذا قيل: «زيدٌ قائم» ينسبق إلى ذهن المخاطب هذا المعنى التصديقي، و أمّا أنّه مطابق للواقع أو لا فيحتاج إلى الإثبات.
نعم: يرد عليه ما أورد عليه ابن مالك، و هو أنّه لو كان مجموع المسند و المسند إليه موضوعاً بإزاء المعنى التصديقي، لزم تعدّد الأوضاع بتعدّد القضايا، و أنّ ل «زيد قائم» وضعاً، و ل «عمرو جالس» وضعاً آخر، و هكذا، و فساده أظهر من أن يخفى.
و حينئذٍ فالحقّ: أنّ الموضوع له للمعاني التصديقيّة هي الهيئة.
الثاني: أنّهم قسّموا اللّفظ إلى المفرد و المركَّب [1] و هو لا يخلو عن إشكال؛ لأنّ «اللّفظ» في اللّغة: الرمي، و «الملفوظ» هو المرمي [2] و وجه التسمية واضح، فإنّه يُرمى من الفم إلى خارجه، يقال: «أكلتُ التمرة و لفظتُ النواة»؛ أي رميتُها، و حينئذٍ فإن اريد من «اللّفظ»- الذي جُعل مَقْسماً للمفرد و المركّب- اللّفظ الحقيقي، فلا ريب في أنّ الألفاظ في الحقيقة هي الحروف التي هي بسائط، فإنّها التي تُرمى من الفم إلى خارجه، فإذا قيل: «زيد» فالملفوظ هو «الزاء» و «الياء» و «الدال»، لا مجموعها، و حينئذٍ فاللّفظ الحقيقي بسيط، كهمزة الاستفهام، و كاف الخطاب، و الضمير، و نحوها.
ثمّ على فرض الإغماض عن ذلك و التسليم بأنّ الملفوظ هو مجموع هذه الحروف و لو بالمسامحة في الإطلاق، لكن مع ذلك لا يصحّ التقسيم المذكور أيضاً، فإنّ