الواضع هو اللَّه تعالى شأنه لا غير [1] مع أنّه لو اريد من عدم التناهي معناه الحقيقي فهو ممنوع؛ لتناهي الألفاظ و المعاني بهذا المعنى.
و إن اريد منه الكثرة- أي معناه العرفي- فهو مُسلّم، إلّا أنّك قد عرفت أنَّ الألفاظ قد وضعت للمعاني تدريجاً، لا دفعةً من واضع واحد.
فاتّضح بذلك: أنّ الواضع ليس هو اللَّه تعالى، و لا النبي، و لا وصي نبي، و لا شخص واحد معيّن، بل أشخاص متعدّدة تدريجاً، كما نشاهد بالعيان وضع بعض الألفاظ في زماننا هذا لمعانٍ جديدة مُخترعة لم تكن سابقاً، و هو السرّ في وقوع الألفاظ المشتركة و المترادفة؛ حيث إنّ الواضع للّفظ لمعنىً من المعاني وضعه له من دون اطّلاعه على وضع شخص آخر لفظاً آخر لذلك المعنى أو وضع هذا اللّفظ لمعنىً آخر.
المبحث الثالث: في أقسام الوضع
و قسّموه إلى أربعة أقسام: لأنّ الوضع و الموضوع له إمّا عامّان، أو الوضع عامّ و الموضوع له خاصّ، أو بالعكس، أو كلاهما خاصّ [2].
و حيث إنّه لا بُدَّ في الوضع من تصوّر المعنى الموضوع له، فإمّا أن يتصوّر الواضع معنىً كلّيّاً، و يضع اللّفظ لهذا المعنى الكلّي، فهو القسم الأوّل، و إن تصوّر معنىً جزئياً، و وضع لفظاً خاصّاً لهذا المعنى الجزئي، فهو الأخير، و إن تصوّر معنىً كلّيّاً، و وضع اللّفظ بإزاء أفراده و جزئيّاته، فهو القسم الثاني، و إن تصوّر معنىً جزئيّاً، و وضع اللّفظ بإزاء كلّيّه، فهو القسم الثالث.
لا إشكال عندهم في ثبوت القسم الأوّل و الأخير، و إنّما الإشكال و الخلاف