و مع ذلك كلّه لا يُنافي ذلك صحّة العقوبة و المثوبة على الأفعال الصادرة من المكلّفين اختياراً، مع وجود أركان موضوعهما و شرائطه المتقدّمة؛ لأنّ الامور المذكورة ليست علّة تامّة لصدور الفعل عنهم لا بالاختيار، فإنّ الشقي إنّما يفعل القبيح مع العلم و الشعور و الإرادة و الاختيار، و هو قادر على تركه، و كذلك المطيع إنّما يطيع مع العلم و الشعور و الإرادة و الاختيار، فيصحّ عقوبة الأوّل و مثوبة الثاني، كما هو كذلك في الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم، فالمناط لصحّة العقاب و الثواب هو صدور الفعل عن علم و شعور و اختيار، لا سوء السريرة أو حسنها، و لعلّ قوله (عليه السلام):
(الناس معادن كمعادن الذهب و الفضّة)
[1] إشارة إلى ما فصّلناه من اختلاف أفراد الناس بحسب السعادة و الشقاوة و الملكات الحميدة و غيرها و الأخلاق الفاضلة و غيرها، التي لا تُنافي الاختيار، و كذلك قوله (عليه السلام):
(الشقي من شَقِيَ في بطن امّه و السعيد من سَعِدَ في بطن امّه)
هي إنّ الإنسان بجميع أفراده يُحبّ الكمال، و يبغض النقص «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها»[3]، لكن هذه الفطرة مستورة بالحجُب الظلمانيّة و الآمال الدنيويّة، و لذلك بعث اللَّه تعالى الأنبياء لتذكيرهم و تنبيههم عن غفلتهم و هدايتهم و إرشادهم إلى صراط اللَّه و إلى ما هو كمال لهم.
و السرّ في وجوب الصلوات الخمس و غيرها من العبادات: هو أنّها أسباب