2- و أمّا قوله بأنّ جميع الحروف إيجاديّة، و ليس فيها جهة الحكاية أصلًا، إذ ليس لها ما وراء كي تحكي عنه، فما معنى الصّدق و الكذب في مثل: زيد على السطح، عمرو في الدار ...؟
أجاب (رحمه اللَّه): بأنّ مناط الصّدق و الكذب هو وجود و عدم وجود المطابق.
و فيه: إن موضوع الصّدق و الكذب هو الخبر، و حيث لا يكون خبرٌ فلا يكون صدق و كذبٌ، و لازم كلامه انتفاء الخبر في مثل زيد في الدار، لأن الخبر إن كان له مطابَق فهو صدق و إلّا فهو كذب. و توضيح ذلك: إن في الجملة الخبرية مسلكين: أحدهما: إنّها تدل على ثبوت أو عدم ثبوت النسبة، و هذا هو المشهور- و ربّما ادّعي عليه الاتفاق كما عن التفتازاني- و الآخر: إن الجملة الخبرية دالّة على قصد الحكاية. و سوف نوضح الفرق بين المسلكين في مسألة الإنشاء و الإخبار.
و كيف كان، فإن قوام الإخبار هو الإعلام و الإنباء، قال تعالى: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ»[1] فإذا لم يكن هناك منبأ عنه، و مدلول، و محكي، فلا موضوع للإعلام و الإنباء و الإخبار ... و هذا هو المهمّ، و إذا كان شأن الحروف هو الربط و أنه ليس للحروف ما وراء، فعن أيّ شيء يخبر و ينبئ ... و العجيب أنه قد ناقض نفسه في ضمن كلامه، عند ما ذكر انقسام الألفاظ إلى المستقل و غير المستقل، و غير المستقل إلى قسمين، حيث عبَّر عن بعض الهيئات و الحروف بأنّها تفيد كذا و تدل على كذا، فإذا لم يكن للحروف معنىً مطلقاً، فما معنى الإفادة و الدلالة؟